للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - ويقال مثل ذلك في قوله تعالى: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤] فالقائلون بمفهوم العدد، يرون أن عدم تحقق إقامة الحد بأقلَّ من ثمانين يدل عليه النص بمفهومه المخالف؛ فإذا كان العدد أقل من المذكور في النص: فالعهدة في إقامة الحد باقية.

أما الذين لا يقولون بمفهوم العدد: فعدم تحقق إقامة الحد بأقل من ثمانين جلدة، لا يدل عليه النص بمفهوم العدد، وإنما يستفاد من أدلة أخرى.

ج - وهذا مثال من السنّة أحاط به ما أبعدَ القولَ بمفهوم العدد فيه. حتى من قبل الآخذين بمفهوم المخالفة - كما سنرى - فقد روي أن الرسول قال لحَبّان بن منقذ: "إذا بايعت فقل: لا خلابة ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فاردد" (١) فهذا النص يدل بمنطوقه على أن مدة الخيار التي حدّدها رسول الله ثلاث ليال.

ولكن العلماء لم يقولوا في هذا النص بالمفهوم المخالف، فلم يستدلوا بذكر العدد في النص على عدم الزيادة على الليالي الثلاث، بحيث لا يصح أن تزيد مدة الخيار على ثلاث.

ومن هنا ذهب قوم إلى جواز اشتراط الخيار في المدة التي يتم اتفاق العاقدين عليها، قلّت هذه المدة أو كثرت.


(١) من حديث طويل أخرجه بألفاظ مختلفة: الشافعي وأحمد (١٣٢٧٦) و (٦١٣٤) والبخاري وابن الجارود وابن حبان (٥٠٤٩)، والحاكم في "المستدرك"، والدارقطني (٣٠٠٩) و (٣٠١١) والحميدي. وانظر: أبو داود (٣٥٠١) الترمذي (١٢٥٠)، النسائي (٧/ ٢٥٢)، ابن ماجه (٢٣٥٤).
وحبان بن منقذ صحابي أنصاري خزرجي مات في خلافة عثمان. وقد جنح كثيرون إلى أن القصة لمنقذ والد حبان، وصحح ذلك النووي. وفي رواية البخاري: ابن عمر، والخلابة بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام: الخديعة. انظر: "فتح الباري" مع "صحيح البخاري" (٢٤٠٧، ٢٤١٤، ٦٩٦٤، ٢١١٢) (٤/ ٢٨٣)، "صحيح مسلم بشرح النووي" (١٠/ ١٧٧)، "نيل الأوطار" (٥/ ١٩٤)، "سنن الدارقطني" مع "التعليق المغني": (٣٠١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>