للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو قول أحمد بن حنبل وأبي يوسف ومحمد (١).

وذهب مالك إلى الجواز فيما زاد على الثلاث أيضًا، ولكن قيّده بألَّا يزيد ما يتفقُ عليه المتعاقدان عن حاجتهما، مثل قرية لا يصل المسافر إليها في أقل من أربعة أيام، لأن الخيار للحاجة، فيقدر بقدرها (٢).

وأنت ترى أن في ذلك عدم الأخذ بمفهوم العدد.

وذهب أبو حنيفة والشافعي وزفر: إلى عدم جواز الزيادة في الخيار على ثلاثة أيام.

ولكنهم لم يعتبروا ذلك من مفهوم العدد، بأن يُستدل بذكر العدد في النص على عدم جواز الزيادة عليه، وإنما أرجعوه إلى أن اشتراط ثلاثة أيام: جاء على خلاف القياس، فيقتصر فيه على ما ورد به النص (٣).

وهكذا ترى أن الحديث المذكور لم يقل فيه أحد بمفهوم العدد، سواء في ذلك من يقول بمفهوم المخالفة ومن لا يقول، حتى إن الإمام الشافعي رأى مع أبي حنيفة وزفر، أن الوقوف عند العدد المذكور في النص وعدم جواز الزيادة عليه، لم يكن من دلالة مفهوم العدد في ذلك النص؛ لما أن اشتراط هذا العدد من الأيام: قد جاء على خلاف القياس، وإذن فليُقتصر فيه على ما ورد به النص، وهكذا فقد أحاط بالعدد في حديث "الخلابة" ما منع من الأخذ بالمفهوم المخالف فيه.

ويتبدى من النصوص المذكورة - التي تعتبر نماذج تدل على ما وراءها -: أثر النظرة إلى القاعدة الأصولية في فروع الأحكام بحيث يقع الاختلاف في الفروع الفقهية ثمرة للاختلاف في القواعد الأصولية.


(١) راجع: "فتح القدير" (٥/ ١١٠)، "المغني" لابن قدامة (٤/ ٩٥ - ٩٦) قال ابن قدامة: (وحكي ذلك عن الحسن بن صالح والعنبري وابن أبي ليلى وإسحاق وأبي ثور).
(٢) راجع: "الخرشي على مختصر خليل" (٥/ ١٠٩)، "أسباب اختلاف الفقهاء" للخفيف (ص ١٥٧).
(٣) راجع: "المهذب" للشيرازي (١/ ٢٥٨)، "فتح الباري" (٤/ ٢٨٣)، "الهداية" مع "فتح القدير والعناية" (٥/ ١١٠ - ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>