للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وهذا نص قولنا؛ فورود الاستثناء عبارة عن الخصوص، وعدم وروده عبارة عن العموم). ولم يكتف بذلك، بل عكس عليهم السؤال نفسه فقال: (لو كان للخصوص صيغة لما كان للاستثناء معنًى، لأنه لم يكن يستفاد به فائدة أكثر من اللفظ قبل ورود الاستثناء) (١).

ب - ولو كان اللفظ يقتضي العموم، لما حسن فيه الاستفهام. ولما حسُن فيه الاستفهام: علمنا أنه لا يقتضي العموم بنص لفظه.

وكان ذلك في نظر ابن حزم كسابقه وهو الاستثناء؛ والاستفهام يحسن من جاهل بحدود الكلام، أما استفهام المستفهم عن الآية أو الحديث: فمذموم. وقد أنكر ذلك رسول الله وقال: "اتركوني ما تركتكم" (٢).


(١) راجع: المصدر السابق (٣/ ١٠٦ - ١٠٧).
(٢) الحديث بلفظ: "اتركوني ما تركتكم" رواه الطبري في "التفسير" وحكم عليه بالصحة (١١/ ١٠٨ - ١١٢). وبلفظ: "ذروني ما تركتكم" رواه أحمد في "مسنده" (٧٣٦١). كما رواه بلفظ: "اتركوني … " البخاري (٧٢٨٨) ومسلم (١٣٣٧) والترمذي (٢٦٧٩) والنسائي (٢٦١٩) وابن ماجه (٢) وراجع: "منتقى الأخبار مع نيل الأوطار" (٤/ ٢٩٤ - ٢٩٥).
قلت: والحديث - فيما يبدو من روح الكتاب والسنة - متوجه إلى السؤال الذي يمكن أن يترتب عليه مزيد من الالتزامات التي قد لا يطبقها المسلمون، وتؤدي بهم إلى الحرج، أما الاستفهام للمعرفة والإيضاح - كما أشار ابن حزم - فهو ممدوح فضلًا عن أن يكون مذمومًا. راجع ما قاله المفسرون عند قوله تعالى في سروة المائدة [١٠١]: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ وبخاصة الطبري (١١/ ٩٨ - ١١٦)، والقرطبي (٦/ ٣٣٠ - ٣٣٤)، وراجع كذلك ما قاله شُرّاح الحديث نفسه. وقد حملت إلينا آيات الكتاب الكثير من الأسئلة والجواب عنها كما في السؤال عن الخمر والميسر، وعن الإنفاق، وعن المحيض، وعن الأهلة، وعن الحلال من الأطعمة وغيرها. كما حملت إلينا كتب السنة عددًا من الأحاديث التي جاءت أجوبة الأسئلة سألها الصحابة فيما يتعلق بالأحكام، من ذلك حديث بيع الرطب، وحديث الوضوء بماء البحر، وحديث ماء بئر بُضاعة، وحديث الخراج بالضمان، الذي جاء جوابًا لمن سأل عن الذي اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد فيه عيبًا … إلى غير ذلك وهو كثير.
ولقد أحسن الحافظ في "الفتح" حين استوفى الكلام عن السؤال الممدوح والسؤال المذموم، وقد حكى عن ابن العربي قوله في معرض: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ =

<<  <  ج: ص:  >  >>