للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يعقل، وقد قال تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)[الحجر] (١) فلا يعقل أنه أراد (مجتمعين) بل جائز أن يكون الذين أتوا أتوا أفرادًا مفترقين.

وفي بعض جولاته مع الواقفية في رد هذه الحجة: اتهمهم بالكفر معتبرًا احتجاجهم بالتأكيد تعليمًا لربهم - والعياذ بالله - أشياء استدركوها … وأن هذا جرى على عادتهم في الحكم بالقياس في أشياء ادعوا أن ربهم تعالى لم يذكرها ولا حكم فيها. وأعلن براءته إلى الله تعالى من ذلك.

وبعد هذا قرر أن التأكيد في اللغة كثير الوجود، كتكراره تعالى ما كرر من الأخبار، وكتكراره ﷿ في سورة واحدة: يأتي ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)[الرحمن] إحدى وثلاثين مرة: و ﴿يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٠، الحج: ١٨] و ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)[الأنبياء].

ولهذا التكرار أعظم فائدة، والتأكيد مثله، لأنه تعالى علم أن سيكون في خلقه قوم يرومون إبطال الحقائق: فحسم من دعاواهم ما شاء بالتأكيد، وليقيم بذلك الحجة عليهم.

أما إذا ترك التأكيد فليضلوا فيها، ويستحقّ منهم من قلد وعاند المذاب الأليم، ويؤجر من أطاع وسلَّم الأجر الجزيل (٢).


(١) هذا: وقد ذكر أبو محمد بن حزم أن بعض أرباب الوقف أجاب عن قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)﴾ أن معنى قوله: ﴿أَجْمَعُونَ﴾ بعد أن ذكر كلهم هو غير الذي في ﴿كُلُّهُمْ﴾ لأن ﴿كُلُّهُمْ﴾ هو مخرج لقوله تعالى: ﴿الْمَلَائِكَةِ﴾ من الخصوص إلى العموم و ﴿أَجْمَعُونَ﴾ دال على أنهم سجدوا مجتمعين لا مفترقين. قال ابن حزم: (وهذه مجاهرة في اللغة لا يعرفها أهل اللغة، ولا يعرف أحد من أهل اللسان أن قول القائل: أتاني القوم أجمعون أنه أراد مجتمعين بل جائز أن يكون الذين أتوا أفرادًا مفترقين، وهذه هي الغلطة التي حذر منها الأوائل). "الإحكام": (٣/ ١٢٤ - ١٢٥).
(٢) وأوضح ابن حزم أنه إذا كان التكرار لإقامة الحجة، كيما يهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، فليس لذلك علاقة بأصل الوجوب، فليس التكرار موجبًا ولا عدمه مسقطًا للوجوب. فلو أنه تعالى لم يكرر ما كرر من أخبار الأمم السالفة ومن أمره بإقامة الصلاة، وأمره بإيتاء الزكاة في غير ما موضع، ومن أمره =

<<  <  ج: ص:  >  >>