للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والانتقال من العين إلى القيمة في الحديث، دليل على أن المقصود ليس خصوص عين السن المعيّنة، وإلا لسقط إن تعذّر أو وجب شراؤه ودفعه.

ج - وروى ابن أبي شيبة (١) في "مصنفه" أن النبي أبصر ناقة حسنة في إبل الصدقة فقال: "ما هذه؟ " قال صاحب الصدقة: إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الإبل، قال: "نعم". قال الكمال بن الهمام: (إذًا فعلمنا أن التنصيص على الأسنان المخصوصة والشاة، لبيان قدر المالية وتخصيصها في التعبير، لأنها أسهل على أرباب المواشي) (٢).

وهكذا نرى في هذه الآثار ما يرجح جواز أخذ القيمة لأنها قوَّت الاحتمال الذي يدل عليه لفظ الحديث.

٢ - وأما المعقول: فإن التعليل بغرض الشارع من الزكاة - وهو سد خلّة الفقير ودفع حاجة ذوي الحاجة، وهذا يتأدى بكل من العين والقيمة - هو تعليل مقبول، وليس قضاء على الظاهر، ولا إبطالًا لمدلوله، بل هو توسعة لمحل الحكم، فالشاة المنصوص عليها بعد التعليل: محلّ للدفع، كما أن قيمتها: محل أيضًا، وفي التعليل دائمًا توسعة لمحل الحكم، فإذا دفعت القيم فقد استوفى المكلف مراد النص (٣). واليوم - ونحن نبحث هذا الحكم - نرى أنفسنا مع الاتجاه الذي يعطي القيمة ما يعطي العين، خصوصًا إذا وضعنا في حسابنا إلى جانب الدليل الشرعي، واقع تطور الثروة، وواقع حاجات الناس.


(١) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي، يقع مصنفه في مجلدين ضخمين جمع فيه الآحاديث وأقوال الصحابة وفتاوى التابعين مرتّبًا على أبواب الفقه، وقد طبعه من جديد محققًا، مخرجةً نصوصُه، مفهرسًا فهرسة علمية، بأكثر من خمسة وثلاثين مجلدًا، المحدث المحقق الأخ العلامة الشيخ محمد عوامه شكر الله له. توفي ابن أبي شيبة سنة ٢٣٥ هـ. "الرسالة المستطرفة" (ص ٣١).
(٢) انظر: "فتح القدير" (١/ ٥٠٩) "شرح الهداية".
(٣) "تأسيس النظر" للدبوسي (ص ٥٤)، "فتح القدير" لابن الهمام (١/ ٥٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>