للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلوم أن صاحب السنة صلوات الله عليه انتقل إلى الرفيق الأعلى، وقد أدى أمانة ربه في التبليغ والبيان، وترك الأمة على بيضاء نقية ليلها كنهارها؛ فكل ما كانت الأمة بحاجة إلى بيانه فقد بينه فكما كان جِدَّ أمينٍ في التبليغ: كان جِدَّ أمين في البيان (١).

ولعل مما يساعد على تقرير ما نقول: أن أكثر القائلين بالوقف، هم من علماء الكلام، وأبرز من ينسب إليهم المذهب: هم فريق من الأشاعرة وضم الغزالي إليهم القاضي - وهو هنا الجبائي - وجماعة من المتكلمين (٢).

أما الأشعري (٣) نفسه: فلم يُنسب المذهب إليه بجزم؛ ذكر العضد شارح ابن الحاجب عنه، أنه مرة يقول: بالوقف، ومرة يحكم على ألفاظ العموم بالاشتراك وإن كان الاشتراك من بعض حجج الواقفية.

والوقف الذي نسب إلى القاضي، أوضحه الغزالي بأنا لا ندري أوضع لها أم لا؟ أو ندري أنه وضع لها ولا ندري أحقيقة منفردًا أو مشتركًا مجازًا. ولقد نأى ابن الحاجب بالمذهب عن الأحكام التكليفية حين ذكر ما قيل: أن الوقف في الأخبار دون الأمر والنهي (٤) مع العلم أن أكثر الأحكام التكليفية مدارها على "افعل" "لا تفعل" وما هو في معناهما.

على أن عدم وجود آثار عملية للمذهب وكونه - فيما يبدو - أقرب إلى


(١) انظر ما سلف، (١/ ٢٤٢ - ٢٤٣).
(٢) "المستصفى" (٢/ ٤٦) ويلاحظ هنا: أن الذي يريده الغزالي من المتكلمين: علماء الكلام، لا الباحثون على طريقة المتكلمين في الأصول، وهم الشافعية ومن سلك نهجهم في أصول الفقه.
(٣) هو علي بن إسماعيل، أبو الحسن من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري، مؤسس مذهب الأشاعرة، ومن الأئمة المجتهدين، بلغت مصنفاته ثلاثمائة كتاب، منها: "مقالات الإسلاميين" و "الإبانة عن أصول الديانة". توفي ببغداد سنة ٣٢٤ هـ.
(٤) "مختصر المنتهى بشرح العضد وحاشية السعد" (٢/ ١٠٢) وراجع الشوكاني في "إرشاد الفحول" (ص ١١٦) فقد ذكر تسعة مواطن للوقف حسب اختلاف أرباب المذهب، كان أكثرها يدور حول مسائل من العقيدة كالوعد والوعيد وحكم مرتكب الكبيرة … الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>