للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغالب، وإبقاء الأقل النادر الذي لا يتبادر إلى الذهن وحده، جنوحٌ إلى ترجيح الاحتمال البعيد على الظاهر القوي. وإذا كان الشارع لم يقصد بنفي الصوم إلا الواجب غير المعين، فالخطاب به - كما يقول ابن الحاجب - يكون كاللغز (١) ما لم تكن هناك قرينة تصرف الخطاب عن ظاهر عمومه.

٢ - ثم إن الحديث الذي استندوا إليه في تأويلهم هذا: لم يرد في صوم رمضان، وإنما ورد في صوم عاشوراء، وصوم عاشوراء نسخت فرضيته، وانتظم في سلك المندوبات، حيث لا يشترط لصحته تبييت النية من الليل، شأنَ كل نافلة من الصوم (٢). فقد روى مسلم في "صحيحه" عن عائشة قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه؛ فلما هاجر إلى المدينة، صامه وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: "مَن شاء صامه، ومَن شاء تركه" (٣).

٣ - وهذا على فرض التسليم بأن صوم عاشوراء كان واجبًا قبل أن يفترض صيام شهر رمضان. ولكن هنالك مَن يقول: لم يكن واجبًا قبل فرض رمضان بل كان مستحبًا، فصحّ بنية من النهار، وهو أشهر الوجهين عند الشافعية كما قال النووي (٤).


(١) راجع: "مختصر ابن الحاجب" مع "شرح العضد" (١/ ٣٠٤)، "الإحكام" للآمدي (٣/ ٨٣). هذا وقد أورد أحمد المرتضى من الزيدية رأي ابن الحاجب في أن الشارع إذا لم بقصد إلا هذه - يعني الواجب غير المعين - فالخطاب به كاللغز، وقال: (ولعمري إنه كما ذكر إن لم يكن ثم قرينة تصرف الخطاب عن ظاهر عمومه). انظر: "منهاج الوصول إلى شرح معيار العقول" (ق ٤٨ - ٤٩) مخطوطة دار الكتب المصرية.
(٢) على أن المندوب في صوم يوم عاشوراء أن يصام معه التاسع بُعدًا عن التشبُّه باليهود كما ورد في السنّة. انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (١/ ٣٣٧ - ٣٣٩)، "المغني" لابن قدامة (٣/ ١٧٤ - ١٧٥).
(٣) انظر: "صحيح مسلم" وشرحه للنووي (٨/ ٤).
(٤) يستدل هؤلاء بما ورد في الصحيح عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان خطيبًا بالمدينة - يعني في قدمة قدمها - خطبهم يوم عاشوراء فقال: (أين علماؤكم يا أهل المدينة سمعت رسول الله يقول - لهذا اليوم -: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم فمَن أحبّ منكم أن يصوم فليصم، ومَن أحبّ أن يفطر فليفطر" "صحيح مسلم بشرح النووي" (٨/ ٨) (٢٦٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>