للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالقسم الأول: وهو صيام رمضان والنذر المعين، وكذلك صوم التطوع لا يشترط فيه تبييت النية من الليل، بل تصح النية نهارًا شريطة أن تقع قبل نصف النهار، فلو لم يبيت المكلف الصوم بعد غروب الشمس، وأصبح ممسكًا عن الطعام والشراب وكل مفطر، فله أن ينوي - إلى ما قبل نصف النهار - صومَ ذلك النهار ويقع صومه صحيحًا.

أما القسم الثاني: وهو قضاء رمضان، والنذر المطلق، وصوم الكفارة: فقد شرطوا في صحته تبييتَ النية من الليل؛ لأنه غير متعين فلا بد من التعيين من الابتداء (١).

وبيان ذلك: أنهم أوَّلوا تبييت النية، فأخرجوا كل صوم النفل بحديث عائشة المتقدم، كما هو صنيع الشافعية ومَن معهم.

وفي تأويلهم للحديث أيضًا: أخرجوا صوم رمضان، والنذر المعيَّن، مستندين في هذا التأويل إلى ما روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن سلمة بن الأكوع : "أن النبي بعث رجلًا في الناس يوم عاشوراء: أن مَن أكل فليُتِم، أو فليصم، ومَن لم يأكل فلا يأكل" (٢).

قالوا: دلّ هذا الحديث على أن مَن تعيّن عليه صوم يوم، ولم ينوِه ليلًا: أنه يجزئه أن ينوي صيامه نهارًا - وهذا بناء على أن صوم عاشوراء كان واجبًا - وأنه لا فرق بين هذا المعيّن وبين النفل، ورأوا في ذلك جمعًا بين الأدلة، الذي هو أوْلى من العمل ببعضها، وإهمال البعض الآخر.

وفي رأينا أن تأويل الحنفية بحمل حديث التبييت على الصيام الواجب غير المعين، قد يكون بعيدًا لعدة أمور.

١ - فظاهر الحديث العمومُ في كل صوم. والمتبادر إلى الفهم من لفظ الصوم إنما هو الصوم الأصلي المتخاطب به في اللغات، وهو يشمل الفرض المعيَّن وغير المعيَّن كما يشمل النفل. وتخصيصُ هذا العام بإخراج الأكثر


(١) راجع: "الهداية" مع "فتح القدير" و "العناية" (٢/ ٤٥ - ٥١).
(٢) "فتح الباري" (٤/ ١٠٠)، "صحيح مسلم" بشرح النووي (٨/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>