للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضرب والشتم تثبت حرمتهما بطريق الأولى، فهما أشد من التأفيف الذي دلّ عليه المنطوق، وما دام المعنى الذي من أجله كان التحريم هو الأذى، فيكون من الحرام أيُّ نوع من أنواع الأذى للوالدين، أو الإساءة إليهما، بعد النص على تحريم قول (أُفٍّ) الذي هو أقل ما يمكن أن يتصور من الأذى.

ولكن جرى الخلاف في النسبة بين المنطوق والمسكوت عنه.

فهل يشترط في مفهوم الموافقة: أن يكون المسكوت عنه أوْلى بالحكم من المنطوق، لكون مناط الحكم أكثر توافرًا فيه من المنطوق؟ أم لا يشترط ذلك، وتكفي المساواة، بأن يكون مناط الحكم على حال واحدة من التوافر في المنطوق والمسكوت؟

لقد كان العلماء في ذلك فريقين:

١ - ذهب الفريق الأول إلى عدم اشتراط أولوية المسكوت بالحكم من المنطوق، واعتبروا مِلاك الأمر، أن لا يكون المعنى في المسكوت عنه: أقل مناسبة للحكم من المنطوق به، سواء أكانت هنالك مساواة أم أولوية.

وهذا رأي الحنفية. وقد رأينا ذلك عند الدبوسي والسرخسي ومَن بعدهما (١).

ويرى الزركشي أنه ظاهر كلام الجمهور من الشافعية وغيرهم. وهو واضح عند الغزالي وفخر الدين الرازي وأتباعهما الذين جعلوا مفهوم الموافقة قسمين: تارة يكون أوْلى، وتارة يكون مساويًا (٢).

وممن نصّ على ذلك البيضاوي في "المنهاج" وشارحه الإسنوي (٣).

ولقد احتجّ هؤلاء لما ذهبوا إليه من عدم اشتراط الأولوية: بأن من


(١) راجع: "تقويم الأدلة" للدبوسي (٢٤٠ - ٢٤٤)، "أصول البزدوي" مع "الكشف" (٢٥/ ١٤ - ٧٦)، "أصول السرخسي" (١/ ٢٤٥) فما بعدها.
(٢) راجع: "المحصول" للرازي، مخطوطة دار الكتب المصرية، "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص ١٧٨).
(٣) انظر: "المنهاج" مع "نهاية السول وحاشية الشيخ بخيت" (٢/ ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>