للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعلوم قطعًا أنه قد يفهم ثبوتُ حكم المنطوق به للمسكوت عنه، مع عدم أولويته بالحكم: بفهم المناط لغة دون حاجة إلى بحث واجتهاد، كما في تحريم إتلاف مال اليتيم بإحراقه، أو إضاعته؛ أخذًا من تحريم أكله ظلمًا.

وإهدار هذا النوع من الدلالة - كما قال ابن الهمام - مما لا وجه له، لأنه بعد فرض فهم ثبوت حكم المنطوق للمسكوت، لفهم المناط لغة - كما هو موضوع النزاع -. يجدر اعتبار هذه الدلالة، لا إهدارُها وعدمُ الالتفات إليها (١).

ب - أما الفريق الثاني: فذهبوا إلى اشتراط أولوية المسكوت بالحكم من المنطوق، لأنه يكون أشدَّ مناسبة واقتضاء للحكم في محل السكوت، من اقتضائه له في محل النطق.

فلا يكفي لتسمية الدلالة على الحكم "مفهوم الموافقة": أن يكون المنطوق والمسكوت على حالة من التساوي في الحكم.

وقد نقل هذا القول إمام الحرمين الجويني في "البرهان" عن الشافعي (٢) وهو قول أبي إسحاق الشيرازي، ونُقل أيضًا - كما يقول الشوكاني - عن الأكثرين (٣).


(١) راجع: "التحرير" مع "التيسير" (١/ ٩٤)، "مسلم الثبوت" مع "فواتح الرحموت" (١/ ٤٠٩) هذا: وقال صاحب "التقرير والتحبير" في حكمه على هذا القول تعليقًا على كلام ابن الهمام: (إن كان هذا - يعني الأولوية - شرطًا منهم لمجرد تسميتها اصطلاحًا بمفهوم الموافقة، كما اصطلح بعضهم على تسمية الدلالة على ما هو أوْلى بالحكم من المنطوق: بفحوى الخطاب وعلى ما هو مساوٍ له فيه: بلحن الخطاب كما حكاه صاحب "القواطع". وأما الاحتجاج به فكالأولى اتفاقًا كما ذكره غير واحد: فلا مشاحة في الاصطلاح). انظر: "التقرير والتحبير شرح التحرير" (١/ ١١٢) "مسلم الثبوت" مع "فواتح الرحموت" (١/ ٤٠٩).
(٢) قال إمام الحرمين: (ونحن نورد معاني كلامه - يعني الشافعي - فمما ذكره قال: المفهوم قسمان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة، أما مفهوم الموافقة: فهو ما يدل على أن الحكم في المسكوت عنه موافق للمنطوق به من جهة الأولى) وقال في مكان آخر: (ومَن قال بمفهوم الموافقة، حصر مفهوم الموافقة في إشعار الأدنى في قصة المتكلم بالأعلى): (١/ لوحة ١٣٢).
(٣) انظر: "إرشاد الفحول" (ص ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>