للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبه قال الآمدي وابن الحاجب (١).

ولقد كانت حجة هؤلاء فيما ذهبوا إليه: أن المسكوت إذا كان أولى بالحكم من المنطوق، لأن المعنى في المسكوت أشدُّ مناسبة للحكم من المعنى المنطوق به: فإنه يمكن فهم اتحادهما بالحكم جَزْمًا، لبُعد أن يكون هناك احتمال للتعبُّد في ثبوت الحكم المنطوق، نظرًا لأولوية المسكوت عنه بالحكم من المنطوق.

أما عند المساواة: فإن احتمال التعبُّد في ثبوت الحكم بالمنطوق: قائم، وهو مانع من إلحاق المسكوت بالمنطوق. ولذلك لا يمكن فهم اتحادهما بالحكم من النص على حكم المنطوق عرفًا. فإذا الحق المسكوت بالمنطوق، مع قيام هذا الاحتمال: كان الإلحاق بطريق القياس، لا بطريق المفهوم.

ولكن هذا نقلٌ للمسألة عن محل النزاع، وهو المنطوق، الذي اشترك مع المسكوت في معنًى يدرك بمجرد معرفة اللغة. وكونُ المناط الذي انبني عليه الحكم في المنطوق والمسكوت يدرك لغةً: ينفي احتمال التعبُّد في ثبوت الحكم بالمنطوق عرفًا (٢).

ولا خفاء في وضوح ما استدلّ به الجمهور وقوتِه؛ خصوصًا وأن إدراك المعنى المشترك بين المنطوق والمسكوت: منوط باللغة، ولذلك فنحن نميل إلى عدم اشتراط الأولوية، والاكتفاء بما ذهب إليه الأكثرون من الاكتفاء بأن لا يكون المعنى في المسكوت أقل مناسبة للحكم منه في المنطوق، وهذا المذهب هو الذي جنح إليه الشوكاني من المتأخرين واعتبره هو الصواب (٣).


(١) قال الآمدي بعد أن أورد عددًا من الأمثلة لمفهوم الموافقة: (والدلالة في جميع هذه الأقسام لا تخرج من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى وبالأعلى على الأدنى. ويكون الحكم في محل السكوت أوْلى منه في محل النطق. وإنما يكون كذلك أن لو عُرف المقصود من الحكم في محل النطق من سياق الكلام، وعرف أنه أشد مناسبة واقتضاء للحكم في محل السكوت من اقتضائه له في محل النطق). راجع: "الإحكام" (٣/ ٩٥ - ٩٦)، وانظر "ابن الحاجب مع العضد وحاشية التفتازاني" (٢/ ١٧٣).
(٢) راجع: "الآمدي" (٣/ ٩٥ - ٩٦) (٤/ ٣٠ - ٣١) "زكي شعبان" (ص ٩٤ - ٩٥).
(٣) راجع: "إرشاد الفحول" (١/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>