للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- حسب الروايات - لم يفطن أكثر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وإنما كان عندهم ذلك التهيؤ بحيث استحسنوا جميعًا، وارتضوا ما ذهب إليه واحد أو اثنان منهم في فهم كتاب الله؛ من دره الحد عن امرأة ولدت لستة أشهر، وكان ذلك سبيلًا يحتذى فيما بعد.

ولكنا نرى في مقابل ذلك أنه مهما يكن من أمر القيمة التي يمكن أن تعطى للحكم بالإشارة أو للذين أدركوه، فإنه من غير المرضي ولا المناسب بحال، أن تتخذ الإشارة سبيلًا للتمحُّل في الفهم، والإيغال في الكلفة، لتطويع النص باسم الالتزام، وربطه بفروع قد لا يبدو لها نسب أصيل إليه، كما لا تبدو لها علاقة منضبطة تشعر بأن الحكم من لوازم هذا النص، ومما يترتب على مدلوله بالعبارة (١).

ولقد يكون في كثير من المراجع التي نشير إليها في أثناء كتابة هذا البحث: نماذج من هذه الطريقة المحفوفة بالكلفة، ومحاولة تطويع الألفاظ قسرًا، لإحداث العلاقة بين النص وبين بعض الأحكام (٢).

وذلك كالذي رأينا من حديث صدقة الفطر آنفًا، وكالذي يرى الباحث حول قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ من آية الصيام [١٨٧] في سورة البقرة، وقوله: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ من آية الرضاع [٢٣٣] في سورة البقرة أيضًا. ومثل ذلك كثير (٣).


(١) راجع: "علم أصول الفقه" للشيخ عبد الوهاب خلاف (ص ١٧١)، "أصول الفقه" لأستاذنا أبي زهرة (ص ١٣٥)، "دلائلات ألفاظ الكتاب والسنّة على الأحكام" للأستاذ زكي شعبان (ص ٣٢).
(٢) راجع على سبيل المثال: "تقويم الأدلة" للدبوسي (ص ٢٣٥ - ٢٣٧)، "أصول السرخسي" (١/ ٢٣٧ - ٢٣٨)، "التوضيح" لصدر الشريعة (١/ ١٣٠ - ١٣١)، "كشف الأسرار شرح المنار" للمصنف (١/ ٢٤٩ - ٢٥١).
(٣) فمن الأحكام التي أُخذت من قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] بدلالة الإشارة: صحة نية الصوم بعد طلوع الفجر؛ بحجة أن ﴿ثُمَّ﴾ للتعقيب مع التراخي؛ فحين أمر بأداء الصوم بعد طلوع الفجر - وذلك يكون بالنية والإمساك - عرفنا صحة الصوم بعد طلوع الفجر، وأن جواز التقديم للتخفيف؛ إذ لا معنى لاشتراط نية الأداء - كما يقول السرخسي - في غير وقت الأداء حقيقة. ومما أُخذ من قوله تعالى: =

<<  <  ج: ص:  >  >>