للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما فيه من الحرج، فلم يأمر به لئلا يكون واجبًا. وهذا يقتضي أن الأمر للوجوب (١).

ولقد عبر الخطابي من ذلك بكل جلاء ووضوح؛ فبعد أن أخذ من الحديث عدم وجوب السواك قال: (وفيه دليل أن أصل أوامره - يعني الرسول - على الوجوب، ولولا أنه إذا أمرنا بالشيء صار واجبًا لم يكن تقوله: "لأمرتهم به" معنى، وكيف يشق عليهم من الأمر بالشيء وهو إذا أمر به لم يجب ولم يلزم؟ فثبت أنه على الوجوب ما لم يقم دليل على خلافه (٢).

قال أبو الوليد الباجي (٣) في شرحه "للموطأ": (فالمراد هنا الوجوب واللزوم دون الندب، فقد ندب إلى السواك، وليس في الندب إليه مشقة؛ لأنه إعلام بفضيلته واستدعاء لفضله، لما فيه من جزيل الثواب) (٤).

وهذا الاتجاه كان صنيع الزرقاني (٥) أيضًا ولكن بشكل أوضح، إذ قال عندما عرض للحديث في شرحه "الموطأ": (وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين:


(١) راجع: "مفتاح الوصول" للتلمساني (ص ١٧)، "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص ٩٠).
(٢) راجع: "معالم السنن" للخطابي (١/ ٢٩).
(٣) هو سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي أبو الوليد الباجي، أحد أئمة المسلمين ومن كبار رجال الحديث، وفقهاء المالكية، تنقّل بين عدد من بلدان المغرب والمشرق، وكانت إقامته بالمشرق نحو ثلاثة عشر عامًا، وبينه وبين ابن حزم مناظرات وفصول، له عدد من المصنفات منها: "المنتقى" شرح "موطأ مالك" و "شرح المدونة" و "إحكام الفصول في أحكام الأصول". توفي بالمرية سنة ٤٧٤ هـ.
(٤) راجع: "الموطأ مع شرحه" للباجي (١/ ١٢٩).
(٥) هو محمد بن عبد الباقي الزرقاني المصري الأزهري المالكي أبو عبد الله قال صاحب "الأعلام": "إنه خاتمة المحدثين بالديار المصرية"، من مصنفاته: "شرح موطأ الإمام مالك"، "تلخيص المقاصد الحسنة" في الحديث. توفي سنة ١١٢٢ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>