للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا: وقد صدّر الإمام المطلبي بهذه الآية ما ذكره في باب (طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها) وختم الباب بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (١).

ولقد أورد ابن حزم الآية أيضًا دليلًا على أن الأمر في الكتاب والسنة للوجوب، حيث رأى النص جازمًا في نفي الاختيار وإذا بطل الاختيار: فقد لزم الوجوب ضرورة؛ لأن الاختيار إنما يكون فيما ليس بواجب. جاء في "الإحكام" قوله: (فكل ما أمر الله به ورسوله فلا اختبار فيه لأحد، وإذا بطل الاختيار: فقد لزم الوجوب ضرورة؛ لأن الاختيار هو في الندب والإباحة اللذين فيهما الخيرة إن شئنا فعلنا وإن لم نشأ لم نفعل، فأبطل الله ﷿ الاختيار في كل أمر يرد من عند نبيه ، وثبت بذلك الوجوب والفرض في جميع أوامرهما، ثم لم يدعنا تعالى في شك من القسم الثالث وهو الترك فقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)[الأحزاب] وهكذا يكون عند ابن حزم وجوب الفعل فيما جاء به الأمر، والندب والإباحة فيما جاء به التخيير، وترك المأمور معصية، والمعصية ضلال مبين.

وقد أوضح ذلك مرة ثانية فقال: (وليس يقابَل الأمر الوارد إلا بأحد


(١) في سورة الأنفال: ٢٠ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)﴾.
ومما يساعد على فهم أن الأمر للوجوب من الآية السابقة في سورة الأحزاب ما ذكره العلماء من سبب النزول فقد روي "أن رسول الله خطب زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب على مولاه زيد بن حارثة وأبى أخوها عبد الله فنزلت الآية فقال: رضينا يا رسول الله، فأنكحها إياها".
وقيل: هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي أول من هاجر من النساء وهبت نفسها للنبي فقال: "قد قبلت" وزوجها زيدًا فسخطت هي وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول الله فزوجنا عبده فنزلت الآية.
راجع: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (٣/ ٤٨٩) "الكشاف" للزمخشري (٣/ ٤٢٦ - ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>