للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)[الأحزاب: ٣٦] (١).

ومعنى الآية، أنه ليس لمؤمن ولا مؤمنة، اختيار مع أمر الله وأمر رسوله، بل الواجب عليهم الانقياد والامتثال، وهذا ليس خاصًّا بجماعة أو طائفة من المؤمنين، بل هو للجميع؛ لأن الضمير في قوله: ﴿مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ راجع إلى الجمع الذي يقتضيه قوله: ﴿لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ﴾ فإن معناه العموم، لأنه نكرة في سياق النفي. وهذا لا يتعارض مع وجود سبب خاص للنزول - كما سيأتي - لأن خصوص السبب عند الكثيرين: لا يمنع عموم اللفظ.

والذي نقوله من دلالة هذه الآية على أن الأمر للوجوب، هو ما فهمه ابن عباس ، فقد روى ابن كثير في "تفسيره" ما روى ابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهما عن ابن جريج قال: أخبرني عامر بن مصعب عن طاوس قال: أنه سأل ابن عباس عن ركعتين بعد العصر: فنهاه، لأن السنة غير ذلك، وقرأ ابن عباس : ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦] (٢).

وهذا الأثر، جاء أوضح من ذلك في رسالة الشافعي حيث قال: أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج أن طاوسًا أخبره أنه سأل ابن عباس عن المركعتين بعد العصر، فنهاه عنهما، قال طاوس: فقلت ما أدعهما، فقال ابن عباس: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهم الخيرة من أمرهم".

قال الإمام الشافعي: (فرأى ابن عباس الحجة قائمة بخبره عن النبي ، ودله بتلاوة كتاب الله على أن فرضًا عليه أن لا تكون له الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرًا) (٣).


(١) والقضاء هنا معناه الحكم الذي هو إتمام الشيء قولًا، لأنه المناسب للإسناد إلى الرسول .
(٢) "تفسير ابن كثير" (٣/ ٤٩٠).
(٣) راجع: "الرسالة" (ف ١٢٢٠)، "تفسير ابن كثير" (٣/ ٤٨٩ - ٤٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>