للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكل والشرب عمدًا يتحقق فيهما هذا المعنى، فيثبت لكل منهما من طريق دلالة النص حكم الجماع المدلول عليه بعبارة النص.

قال السرخسي: (وقد علمنا أنه لم يرد الجناية على البضع لأن فعل الجماع حصل منه في محل مملوك له، فلا يكون جناية لعينه، ألا ترى أنه لو كان ناسيًا لصومه، لم يكن ذلك منه جناية أصلًا، فعرفنا أن جنايته كانت على الصوم باعتبار ركنه الذي يتأدى به وقد علم أن ركن الصوم الكفُّ عن اقتضاء شهوة البطن وشهوة الفرج، ووجوبَ الكفارة للزجر عن الجناية على الصوم) (١).

غير أن عَدَّ سبب وجوب الكفارة تفويتَ ركن الصوم، وهو الكف عن المفطرات عمومًا، لم يمنع احتمالًا آخر وهو أن يكون السبب تفويتَ ركن الصوم بهذا المفطر بعينه وهو الوقاع؛ كما ذهب إلى ذلك سعيد بن جبير، والنخعي، وابن سيرين، وحماد، والشافعي، وأحمد.

وهذا ما يجعل تلك العلة ثابتة على سبيل الظن. وبذلك تكون دلالة النص على وجوب الكفارة على من يأكل أو يشرب عمدًا في نهار رمضان: دلالة ظنية.

ولكن هذه الظنية، لم تمنع اعتبارها "دلالة نص"، وأخذَ الحكم عن طريقها؛ لأن الشرط في دلالة النص - كما أسلفنا - أن يكون المعنى الذي لأجله ثبت الحكم في المنصوص عليه: يدرَك بمجرد المعرفة باللغة، الفقيهُ وغير الفقيه في ذلك سواء. أما أن يكون الثابت بهذا المعنى في المسكوت عنه مما يعرفه أهل اللسان: فليس بشرط.

وإذا كان الشافعي وأحمد ومن قال بقولهما، لم يوجبوا الكفارة، فلأن الأصل عدم الكفارة إلا فيما ورد الشرع به. وقد ورد الشرع بالكفارة في معناه، إذ العلة عندهم تفويت ركن الصوم بنوع خاص من المفطرات وهو الوقاع. والأكلُ والشربُ عمدًا لا يجتمعان معه في هذه العلة (٢).


(١) راجع: "أصول السرخسي" (٢/ ٢٤٤ - ٢٤٥)، "مسلم الثبوت" مع شرحه "فواتح الرحموت" (١/ ٤٠٩)، "المنار" وشروحه لابن ملك وحواشيه (١/ ٥٣٢).
(٢) راجع: "المهذب" للشيرازي (١/ ١٨٢)، "المغني" لابن قدامة (٣/ ١١٥). وانظر: "كشف الأسرار شرح المصنف على المنار" (١/ ٢٥٥ - ٢٦٦)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>