للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد الآثار، يأتي دور دلالة النص في استدلال الفقهاء، فيحاول ابن الهمام - صنيعَ صاحب الهداية - أن يبرهن على أن وجوب الكفارة بالأكل والشرب عمدًا في نهار رمضان: ثابت بدلالة النص ثبوتَه في الجماع بعبارة النص (١).

ب - أما عن المالكية: فقد جاء في "الموطأ" ذكر رواية أبي هريرة التي تعلق الكفارة بالإفطار، وذكر صاحب "المنتقى" أن رواة الحديث اختلفوا فذكر أصحاب "الموطأ" وأكثر الرواة عن مالك: "أن رجلًا أفطر في رمضان" وخالفهم جماعة من الرواة فقالوا: "إن رجلًا أفطر بجماع" وعلى هذا فهناك رواية معترَف بها عن مالك، تربط الكفارة بالإفطار لا بإفطار مخصوص هو الجماع (٢).

غير أن شرّاح "الموطأ" لم يقتصروا في الاستدلال على هذه الرواية، ولكن فهموا أن العلة في وجوب الكفارة هي هتك حرمة الشهر، وذلك متوافر في الطعام والشراب عمدًا توافُره في الجماع، وهذا ما سمّاه الحنفية "دلالة النص".

ولقد عدّ المالكية المفطرات من أكل، وشرب، ووقاع، وخروج دم، وحيض … إلخ، ونقلوا عن مالك أن غير المعذور تلزمه الكفارة بها كلها، على أي وجه وقع فطره من العمد والهتك لحرمة الصوم.

قال صاحب "المنتقى": (والدليل على ما نقوله: أن هذا قصَد إلى


(١) قال في "فتح القدير" (٢/ ٧١) بعد ذكر الآثار: (وأيضًا دلالة نص الكفارة بالجماع تفيده؛ للعلم بأن من عَلِمَ استواء الجماع والأكل والشرب في أن ركن الصوم الكف عن كلّها، ثم علم لزوم عقوبة على مَن فوّت الكف عن بعضها: جزم بلزومها على مَن فوّت الكف عن البعض الآخر حكمًا؛ لأن العلم بذلك الاستواء غير متوقف فيه على أهلية الاجتهاد، أعني بعد حصول العلمين: يحصل العلم الثالث، ويفهم كل عالم بهما أن المؤثر في لزومها تفويت الركن لا خصوص ركن).
وانظر: "المهذب" للشيرازي (٢/ ٢١٧) وراجع: "تقويم الأدلة" للدبوسي (٢٤٠ - ٢٤٤)، "أصول السرخسي" (١/ ٢٤٣).
(٢) راجع: "الموطأ" مع شرح "المنتقى" (٢/ ٥١ - ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>