وهذا الحكم الذي نذكره، هو مما قصد بالسياق، فزاده ذلك القصد وضوحًا على الظاهر - وهو حل النكاح - وكانت هذه الزيادة بمعنى من المتكلم، لا بمعنى في الصيغة نفسها، كما قلنا في المثال السابق.
ج - ومن الأمثلة أيضًا قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١].
فإذا كانت الآية (ظاهرًا) في الأمر، بأن لا يزيد المكلف على طلقة واحدة، فهي (نص) في بيان المراعاة لوقت السنة، عند إرادة الطلاق؛ لأن الكلام سيق لذلك كما في قول الرسول ﷺ في شأن ابن عمر حين طلّق زوجته وهي حائض:"ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها، فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسّها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء"(١).
وهذا السوق زاد في وضوح النص على الظاهر في الآية، وكان ذلك بمعنى من المتكلم، ولم يكن من الصيغة.
د - ومن هذا الباب: قوله جلّ وعلا: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨].
فهو نص في دلالته على وجوب اعتداد المطلقة بثلاثة قروء؛ لأن الكلام سبق لبيان حكم الله ﷾، في جميع المطلقات من ذوات الأقراء، وهو وجوب أن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أي أن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها إياها ثلاثة قروء، ثم تتزوج إن شاءت.
ويدخل في ذلك غير المدخول بهن، إلى أن يؤوَّل النص بقيام دليل يرجح غير هذا المعنى الظاهر الذي يشمل غير المدخول بهن. وقد جاء الدليل على ذلك بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٤٩)﴾ [الأحزاب].