للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أن لفظ السارق في الآية الكريمة عندهم: يتناول النباش. واختصاصه بهذا الاسم المعين ليس لنقص معنى السرقة فيه، ولكن للدلالة على سبب سرقته وهو النبش (١).

ولئن كان الكفن مما ترغب عنه النفوس وتنفر منه، إن ذلك لا يخرجه عن كونه مالًا متقومًا. أما ملكية المال: فالكفن باق على حكم ملك الميت، وله مُطالبٌ من العباد، وهم أولياؤه، فيقومون بالمطالبة؛ كقيام ولي الصبي في الطلب بماله.

كما أنه من غير المسلّم به، أن القبر ليس حرز مثل لهذا المال، فإن حرز كل شيء بحسب حاله الممكنة فيه، ولا يمكن ترك الميت عاريًا، فصارت هذه الحاجة قاضية بأن القبر حرز، قال ابن العربي: (وقد نبّه الله تعالى عليه بقوله: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥)[المرسلات] أي ليسكن فيها حيًا ويدفن فيها ميتًا.

وأما قول بعضهم: إنه سرق من موضع ليس فيه ساكن وإنما تكون السرقة بحيث تتقى الأعين ويُتحفظ من الناس: فإن النباش قد أتى جنايته تحت جنح الليل، واتقى الأعين، وتعهّد وقتًا لا ناظر فيه ولا مارّ عليه، فكان بمنزلة ما لو سرق في وقت بروز الناس للعبد، وخلوّ البلد منهم جميعًا) (٢).

ومذهب الجمهور الذي نشير إليه: هو قول عمر، وابن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وعائشة من الصحابة، وهو أيضًا قول أبي ثور، والحسن، والشعبي، والنخعي، وقتادة، وحماد، وعمر بن عبد العزيز، وإسحاق، وابن المنذر (٣). وغيرهم من علماء الأمصار.


(١) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ١٦٧).
(٢) راجع: "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ٦٠٨)، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٦/ ١٦٤).
(٣) انظر: "معالم السنن" للخطابي (٣/ ٣١٣)، "فتح القدير" لابن الهمام (٤/ ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>