للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدامة يدفع ضرورة أن يكون المراد الولي - لئلا يعود الكلام إلى الزوج بعد ذكره في صدر الآية وذكر النساء فيما بعد - بأن العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب غير ممتنع.

ولقد حمّل ابن العربي الكلام أكثر مما يحمل، حين أصرّ على تأويل (يعفون) بقيد (إن كن أهلًا لذلك)؛ ليكون الولي هو المراد بما بعد (يعفون) حيث يقوم مقام من لا تملك العفو من النساء.

وأوْلى بنا أن نعتبر الزوج هو المراد من الذي بيده العقدة، من أن نحمِّل الكلام قيدًا، قد يكون في بعض الحالات من المسلّمات، فالتي لا تملك أن تعفو، لا تكون ممن وجه إليها الخطاب، ويكون تصرف الولي أمرًا طبيعيًا.

فإن كانت المرأة أهلًا للعفو بنفسها أو بوليها: عفت ولم تأخذ شيئًا من المهر. وإن عفا الزوج، كان للمرأة المهر كاملًا.

ولا شك في أن الجنوح إلى القول الأول، أسلم من جهة أن جواز ذلك معلوم من ضرورة الشرع، بينما نرى في الجنوح إلى القول الثاني زيادة في الشرع، تحتاج إلى دليل. وما اعتبره أنصار هذا القول دليلًا لما جنحوا إليه، لم نجد فيه مقنعًا.

وبعد ذلك كله، يلاحظ أن الخطاب في الآية هو للأزواج، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ فإذا لم يعتبر أن الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، كان في ذلك تفكيك للنظم القرآني (١).

هذا: وقد اعتبر ابن رشد (٢) أنّ من الزيادة على الشرع القول بأن


(١) انظر: "أصول الفقه" للأستاذ الشيخ زكريا البرديسي (ص ٣٩٢).
(٢) هو محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي، أبو الوليد، الفيلسوف من أهل قرطبة، يلقب بـ (ابن رشد الحفيد) تمييزًا له عن جده أبي الوليد محمد بن أحمد المتوفى سنة ٥٢٠ هـ، صنّف ابن رشد نحو خمسين كتابًا منها: "فلسفة ابن رشد"، "التحصيل" في اختلاف مذاهب العلماء، "منهاج الأدلة" في الأصول، "تهافت التهافت" في الرد على الغزالي، "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" في الفقه، "الكليات" في الطب. وقد ترجم إلى اللاتينية والإسبانية والعبرية، توفي سنة ٥٩٥ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>