للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرض القرآن للمعاملات بشكل إجمالي، فأمر بالوفاء بالعقود بقوله جلّ وعلا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] وهذا يشمل جميع الالتزامات. ونهى عن أكل أموال الناس بالباطل وأباح الربح من التجارة. ونصّ على حل البيع وحرمة الربا …

ولكن كان لا بد لهذا الإجمال من بيان وتفصيل؛ فكان في أقضية الرسول صلوات الله عليه، وأحاديثه: بيان ذلك بيانًا، نظم التعامل بين الناس، وسلك بهم سبيل التعاون المثمر والخير المشترك.

وقلّ مثل ذلك في بعض أحكام الجنايات، فمثلًا كان نظام الديات معمولًا به عند العرب، فأبقاء القرآن وأشار إليه بإجمال، وأتت السنّة على ذلك بالتفصيل الواضح لأحكام الدية، وبيان مقدارها، وأحوالها، وجعلت بعضها على العاقلة (١).

وكانت أحكام الدية هذه، طائفة من أحكام القصاص الوارد في قوله سبحانه: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)[البقرة].

وبعد هذه الإشارات العابرة، نرى لزامًا أن نشير إلى أن استقراء العلماء كان تامًّا، حين قرروا أنه ما من مجمل في الكتاب من نصوص الأحكام التكليفية، إلا وقد بيّنه الله، إما بنص قرآني، أو بهدي من نبيه .

ومن هنا كان لا بد لمن يريد الاستنباط من القرآن - وهو كلي الشريعة - أن ينظر في شرحه وبيانه وهو السنّة.

قال الشاطبي (٢) - بعد أن استشهد بالآيات والأحاديث على ضرورة النظر


(١) راجع: "صحيح مسلم مع شرحه للنووي" (٨/ ١٧٠ - ١٩٨).
راجع: "أصول الفقه" لأستاذنا أبي زهرة (ص ١٢٥).
(٢) هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشهير بـ "الشاطبي"، من كبار علماء المالكية في التفسير والأصول والفقه واللغة، وقد اشتهر إلى جانب علمه بالزهد والورع، من شيوخه أبو عبد الله الشريف التلمساني صاحب "مفتاح الوصول إلى بناء الفروع =

<<  <  ج: ص:  >  >>