للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان الهلوع شديد الحرص قليل الصبر، فإن استعماله في هذا المعنى غريب لا يمكن فهم المراد منه دون بيان، ولذلك بيّنه الله تعالى بقوله: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)[المعارج].

وهكذا بيّن الله تعالى ما أراد بـ (الهلوع) أفضل بيان؛ فهو الإنسان الذي إذا ناله شر، أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير، بخل ومنعه الناس.

روي عن أحمد بن يحيى - وهو ثعلب صاحب "الفصيح" - (قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهلع؟ فقلت: قد فسّره الله، ولا يكون تفسير أبيَن من تفسيره) (١).

وقد جاء في الحديث ما يعطي المعنى الذي أراده الكتاب، وذلك فيما روى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "شَرّ ما في رجل شح هالع، وجبن خالع" (٢).

وقال الفراء: الهَلوع: الضَجور. وصفته كما قال الله تعالى: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)(٣).

أما صاحب "الكامل" أبو العباس المبرد: فقال في الهلوع في ضوء البيان المتقدم: (رجل هلوع: إذا كان لا يصبر على خير، ولا على شر، حتى يفصل في كل واحد منهما على غير الحق) وأورد الآية الكريمة، كما أورد قول الشاعر:

ولي قلبٌ سقيم ليس يصحو … ونفسٌ ما تُفيق من الهُلوع (٤)

ومثال هذا المجمل من السنّة لفظ (الرويبضة) الذي ورد في حديث النبي حين ذكر من أشراط الساعة "أن تنطق الرويبضة في أمر العامة".


(١) انظر: المرجع السابق "تفسير القرطبي" (١٨/ ٢٨٩ - ٢٩٠)، "تفسير ابن جزي" (٤/ ١٧).
(٢) انظر: "تفسير ابن كثير" (٤/ ٤٢١).
(٣) انظر: "لسان العرب" مادة (هلع).
(٤) راجع المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>