للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما يبدو هذا الاتجاه عند أبي الحسن الكرخي من رجال المائة الثالثة للهجرة، فهو يبدو عند تلميذه الجصاص من رجال المائة الرابعة (١).

وأما الثانية: فهي المرحلة التي نراه فيها منبثقًا عن تصور نوع من الخفاء، هو الذروة في الغموض بالنسبة لأنواع اللفظ المبهم، حتى انقطع رجاء معرفة هذا المتشابه في الدنيا؛ فقد عرّفوه بعدة تعريفات مآلها أنه (اللفظ الذي خفي معناه المراد خفاء من نفسه، ولم يفسَّر بكتاب أو سنّة، فلا ترجى معرفته في الدنيا لأحد من الأمة، أو لا ترجى معرفته إلا للراسخين في العلم) (٢).

وهو بهذا على حال لا تتسق مع طبيعة الأحكام التكليفية. لهذا كان مجال وجوده بعض مسائل الاعتقاد وأصول الدين، الأمر الذي يدل على تأثر هذا الاتجاه بنظرة علماء الكلام الذين يتحركون في دائرة المعتقدات. أما علماء أصول الفقه: فمهمتهم رسم مناهج استنباط الأحكام من مصادرها، ليكون المكلّف على بيِّنة من أمره في الحكم الذي يطلب إليه أن يلتزمه، فإذا لم يعرف الحلال، من الحرام، من الواجب، من المندوب .. إلخ كيف يلتزم!! وانبهام المصدر يحول دون هذه المعرفة.

وتبدأ هذه المرحلة في القرن الخامس الهجري، فنرى ذلك مثلًا عند الدبوسي، والبزدوي، والسرخسي، ومَن جاء من بعدهم.

وقد تتابع العلماء في هذا الاتجاه ولم تظهر - فيما نعلم - عودة إلى ما كان عليه مفهوم المتشابه في المرحلة السابقة.


(١) "أصول الفقه" للجصاص (المتشابه) مخطوطة دار الكتب المصرية لوحة (٥٥ - ٥٦).
(٢) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ١١٩)، "أصول البزدوي" مع "كشف الأسرار" (١/ ٥٥)، "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ١٢٧ - ١٢٨)، "المرآة" (١/ ٤١٢/ ٤١٣).
وانظر: كتاب "موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص ١١٩ - ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>