للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله جلّ وعلا: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام: ٣٨].

فإن (الطائر) في الآية يحتمل أن يستعمل في حقيقته استعمالًا مجازيًا، ذلك أن العرب تستعمل الطيران لغير الطائر، فيقال للبريد: طائر، مجازًا لأنه يسرع في مشيه، كما يقال: فلان يطير بهمته؛ وتقول للرجل: طِر في حاجتي، أي أسرع. فيكون قوله تعالى: ﴿يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ تقريرًا لموجَب الحقيقة، وقطعًا لاحتمال المجاز، فالمراد بالطائر حقيقة: الطائر المعروف، وقد قطع احتمال المجاز؛ فكان بيان تقرير (١).

ومن الثاني: وهو ما يقطع احتمال الخصوص: لفظ: ﴿كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ ومن قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)[الحجر: ٣٠].

فإن لفظ: ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾ لفظ عام يشمل جميع الملائكة، ويحتمل الخصوص؛ بأن يكون المراد بعضهم، فقطع هذا الاحتمال قوله جلّ وعلا: ﴿كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ فكان ذلك بيانًا قاطعًا للاحتمال؛ وذلك أيضًا بيان التقرير (٢).

وقد ذكروا أن من بيان التقرير في مسائل الفقه: أن يقول الرجل لامرأته: أنت طالق، ثم يقول: عنيت به الطلاق من النكاح، أي رفع قيد النكاح، وقد علل ذلك عبد العزيز البخاري بقوله: (لأن الطلاق - وإن كان رفع القيد في الأصل - غير مختص بالنكاح، لكنه صار مختصًا به في الشرع والعرف، فصار الطلاق برفع النكاح حقيقةً شرعيةً وعرفيةً. واحتمل رفع كل قيد باعتبار أصل الوضع. ولهذا لو نوى صدَقَ ديانة لا قضاء، فكان ذلك بمنزلة المجاز لهذه الحقيقة، فيقوله: (عنيت به الطلاق من النكاح، قرر مقتضى الكلام، وقطع احتمال المجاز) (٣).


(١) انظر: "أصول السرخسي" (٢/ ٢٨)، "أصول البزدوي" مع شرحه "كشف الأسرار" (٢/ ٨٢٧)، "تفسير القرطبي" (٦/ ٤١٩).
(٢) راجع: "أصول البزدوي" مع شرحه لعبد العزيز البخاري (٣/ ٨٢٧)، "أصول السرخسي"، (٢/ ٢٨)، "المنار للنسفي" مع شرحه لابن ملك (٢/ ٦٨٨ - ٦٨٩).
(٣) انظر: "كشف الأسرار" (٣/ ٨٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>