للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنأخذ مثالًا لذلك من الزكاة، يكون أنموذجًا لما انتهجه كل من الفريقين في المسألة.

جاء في الكتاب الذي كتبه رسول الله في الصدقة مما رواه الزهري عن سالم عن أبيه: "وفي سائمة الغنم في أربعين شاة، شاة" (١).

فالشافعية - أخذًا من هذا الحديث -: يرون وجوب الشاة عينًا، ولا يجيزون دفع قيمتها، لأن ذلك هو المنصوص؛ إذ الحديث ظاهر الدلالة في وجوب الشاة على التعيين، ولا يكون الخروج من العهدة إلا بدفعها عينًا.

والحنفية: تأوّلوا هذا النص، فحملوا الشاة على العين أو القيمة، فكان موجب الحديث في الأربعين شاة، عين الشاة أو قيمتها، يجزئ أيَّ منهما في امتثال الأمر على السواء؛ إذ إن كلًا منهما يحقق غرض الشارع في سد خلة الفقير ودفع حاجة المحتاج.

ولقد استبعد الشافعية وغيرهم هذا التأويل؛ ومن أهم ما استندوا إليه في ذلك ما يلي:

أ - فالحديث خصّ الشاة بالذكر، فكان قويّ الظهور في وجوبها على التعيين، وإذا كان قد خصّها بالذكر، فلا بد في ذلك من إضمار حكم وهو: إما الندب أو الوجوب، وإضمار الندب ممتنع لعدم اختصاص الشاة الواحدة من النصاب به، فلم يبقَ غير الواجب، وهذا الواجب قد يكون مقصودًا للشارع من فرضية الزكاة، لتحقيق معنى الأخوة، بمشاركة الفقير الغني في جنس ماله.

ب - على أن جواز أخذ القيمة استنادًا إلى تحقيق غرض الشارع بسد الخلة ودفع الحاجة، عملٌ بعلة مستنبطة عادت على ظاهر النص بالإبطال، وهذا متفق على عدم قبوله (٢).


(١) أخرجه أبو داود في "سننه" (٢/ ١٣٢) رقم (١٥٦٨). وانظر ما سبق (ص ٣١٧ الحاشية رقم ٣).
(٢) راجع "الإحكام" للآمدي (٣/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>