للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتجاجه بالحديث المتقدم، وإنما بنى رأيه على الاستقراء والتتبُّع لعدد من الحالات عند بنات حواء، نقلها إليه مَن يثق بدينه وأمانته من المسلمين.

وذلك ظاهر في معرض حديثه عن مسألة أقل الحيض.

جاء في "الأم" من كلام طويل له مع بعضهم (قلت: قد رأيت امرأة أُثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يومًا ولا تزيد عليه، وأُثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاث وعن نساء أنهن لم يزلن يحضن خمسة عشر يومًا، وعن امرأة أو أكثر أنها لم تزل تحيض ثلاث عشرة) (١).

وحين استدلّ صاحبه بما روى عن أنس بن مالك من طريق الجلد بن أيوب أنه قال: "قرء المرأة - أو قرء حيض المرأة - ثلاث أو أربع حتى انتهى إلى عشر" ردّ الحديث بما قاله له ابن عليّة: الجلد بن أيوب أعرابي لا يعرف الحديث (٢).

وتفاوتُ مدة أكثر الحيض، وإن كان يترتب عليه الكثير من أحكام الحلال والحرام مما هو معلوم في مظانه من كتب الفقه، إلا أن المسألة عند الإمام الشافعي - كما رأينا - متعلقة بجبلَّة بنات حواء. والحكم على المدة طولًا أو قصرًا في أقل الحيض وأكثره: مرتبط بالوجود نتيجة الاستقراء والتتبع.

وذلك ما فهمه الفقهاء من كلام الشافعي، وكانت عمدتُهم في الاستدلال على مدة أقل الحيض وأكثره، وجودَ حالات متعددة يمكن - بمجموعتها - أن تعطي حكمًا.

والشيرازي صاحب "المهذب" قد استدلّ على أقل الحيض بالوجود، ثم روى عن عطاء أنه قال: "رأيت من النساء من تحيض يومًا وتحيض


(١) انظر: (١/ ٥٥).
(٢) انظر: "الأم" (١/ ٥٥) وجاء في "المغني" لابن قدامة المقدسي (١/ ٣٠٩)، (وحديث أنس يرويه الجلد بن أيوب وهو ضعيف. قال ابن عيينة: هو محدَث لا أصل له، وقال أحمد في حديث أنس: ليس هو شيئًا، هذا من قبل الجلد بن أيوب، قيل: إن محمد بن إسحاق رواه، وقال: ما أراه سمعه إلا من الحسن بن دينار وضعّفه جدًّا).

<<  <  ج: ص:  >  >>