للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال صاحب "التلويح": (الاقتضاء دلالة اللفظ على معنًى خارج يتوقف عليه صدقه أو صحته الشرعية أو العقلية) (١).

وهكذا لم تكن الدلالة على الحكم في هذا النوع من طرق الدلالة: بالصيغة أو بمعناها، بل بأمر زائد اقتضاء صدق الكلام، أو صحته.

هذا: والمعنى الذي يتوقف صدق الكلام أو صحته على تقديره، هو عند عامة الأصوليين من الحنفية، وجميع أصحاب الشافعي، وجميع المعتزلة على ثلاثة أقسام (٢):

١ - ما وجب تقديره ضرورة صدق الكلام؛ كما في قوله فيما رواه ابن عباس: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه" (٣).

فإن الخطأ والنسيان لم يُرفعا، بدليل وقوع الأمة في كل منهما، وكذلك رفع العمل بعد وقوعه محالٌ. مع أن ظاهر النص يفيد أن الخطأ والنسيان وما استكرهت عليه الأمة موضوع عنها.

وعلى هذا: فلا بد لصدق هذا الكلام - وهو واقع من الرسول المعصوم من تقدير محذوف، بأن تقول: "وضع إثم الخطأ … أو حكمه". وبهذا التقدير يتفق الكلام مع الواقع ولا يخالفه.

٢ - ما وجب تقديره ضرورة صحة الكلام عقلًا كما في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٨٢)[يوسف: ٨٢].

فإن هذا الكلام لا يصح عقلًا إلا بتقدير: (واسأل أهل القرية) لأن السؤال للتبيين، وإذا كان كذلك فالمسؤول يجب أن يكون من أهل البيان، فاقتضى الكلام تقدير (الأهل) ليصح ويستقيم (٤).

وكما في قوله جلّ وعلا: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧)[العلق: ١٧] فهذا الكلام لا يصح


(١) راجع: "التلويح مع التوضيح" (١/ ١٣٧).
(٢) راجع: "كشف الأسرار على أصول البزدوي" (١/ ٧٦).
(٣) انظر الكلام عن هذا الحديث في (ص ٢٨٧) مما سبق.
(٤) قال الزمخشري: (معنى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾: أرسل إلى أهلها فسلهم عن كنه القصة).
راجع: "الكشاف" (٢/ ٣٨٨). وانظر: تفسير "فتح القدير" للشوكاني (٣/ ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>