للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يلاحظ أن كتب السنن والآثار قد رتبت على حسب الأبواب من الفقه وغيره؛ فأحاديث الأحكام يجدها الباحث منشورة في أبواب الفقه، وأول من بدأ ذلك الإمام البخاري ، الذي أبدع أيما إبداع في عقد الصلة بين الحديث أو جزء منه، وبين العنوان الذي يضعه، له حتى عُدَّ وضعه للعناوين على الأحاديث أو جزء منها: دلالة على فقهه لأنه يكرر الحديث أو يقطِّعه حسبما يؤخذ منه من الأحكام، ولذلك فقد يذكره في أكثر من مناسبة، وكثيرًا ما يأتي بآية من القرآن عنوانًا لمجموعة من الأحاديث ترتبط مع هذه الآية بنوعية الحكم.

والحافظ ابن حجر العسقلاني الذي شرح "صحيح البخاري" بكتابه المشهور "فتح الباري" أفرد للحديث عن كتاب "الصحيح" وصاحبه، وعن منهجه في شرح الكتاب جزءًا خاصًّا اعتبره مقدمة للفتح.

وكان مما قاله عن البخاري في هذه المقدمة: (ثم رأى - يعني البخاري - ألّا يخليه - أي الصحيح - من الفوائد الفقهية والنكت الحكمية فاستخرج بفهمه من المتون معاني كثيرة فرقها في أبواب الكتاب بحسب تناسبها، واعتنى فيه بآيات الأحكام. فانتزع منها الدلالات البديعة وسلك في الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة، قال الشيخ محيي الدين - يعني الإمام النووي - نفع الله به: (ليس مقصود البخاري الاقتصار على الأحاديث فقط، بل مراده الاستنباط منها والاستدلال لأبواب أرادها، ولهذا المعنى: أخلى كثيرًا من الأبواب عن إسناد الحديث واقتصر فيه على قوله فيه خلاف عن النبي أو نحو ذلك. وقد يذكر المتن بغير إسناد، وقد يورده معلقًا، وإنما يفعل هذا لأنه أراد الاحتجاج للمسألة التي ترجم لها وأشار إلى الحديث لكونه معلومًا) (١).

وعندما تحدّث ابن حجر عن ضابط تراجم الأحاديث عند البخاري: بيّن أنه قد يأتي في الترجمة بلفظ المترجم له، أو بعضه، أو بمعناه، وأوضح أن ذلك قد يكون في الغالب ناشئًا عن احتمال لفظ الترجمة لأكثر من معنًى


(١) انظر: مقدمة "فتح الباري" للحافظ ابن حجر (ص ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>