للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيان الشارع للمجمل، وبيان المجتهد لبقية أحوال الخفاء؛ فالمجال متسع للكشف عن المعاني وإظهارها وتبينها.

وإذا كان لا بد لمن يقوم بتفسير النص: من معرفة ما وقع لهذا النص من أوجه البيان؛ فإن العلاقة المباشرة كائنة ببيان التفسير، والتفسيرُ بالمعنى الذي أردناه: مرتبط تمام الارتباط بإزالة الغموض إن وجد. فمن وظيفة المفسِّر أن يعمل بالبحث والاجتهاد على إزالة الغموض. ولقد يكون من عمله: إدراك ما إذا كان هنالك بيان من الشارع لما يريد تفسيره، أو نسخ له مثلًا، وما إذا كان هنالك تعارض ظاهري مع نص آخر. وعند ذلك يكون عمله: فيما وراء الساحة، التي صدر فيها عن الشارع بيان.

على أن ما نراه من هذا الارتباط ببيان التفسير: لا ينفي أن التفسير بالمعنى الذي نعنيه، لا يبتعد عن أصل معنى البيان: وهو الإظهار والكشف، عندما نعبر عنه ببيان معاني الألفاظ ودلالتها على الأحكام، للعمل بالنص على وضع يفهم من النص.

فمن التفسير: معرفة مرامي الألفاظ التي منها الواضح، ومنها المبهم، وإن كان بعض الواضح لا يخلو من احتمال - كما سيأتي -.

وكذلك فإن منه: معرفة دلالات الألفاظ على الأحكام، حيث تتعدد وجوهها ومناحيها؛ فليس كل نص تكون دلالته على الحكم بعبارته، بل غير العبارة من طرق الدلالة على الحكم: متعدد، من إشارة ودلالة واقتضاء (١) وإن شئت فقل: دلالة اللفظ فيها (المنطوق) وفيها (المفهوم)، وتحت المنطوق والمفهوم تنطوي كل طرق دلالة الألفاظ على المعاني والأحكام.

ثم إن من التفسير: إدراك معاني الألفاظ في حالات (عمومها،


(١) فعبارة النص: هي دلالة الكلام على المعنى المقصود من سياقه أصالة أو تبعًا. وإشارة النص: هي الدلالة على معنى التزامي لم يقصد من الكلام قصدًا أصليًا، ودلالة النص: هي الدلالة على ثبوت حكم المنصوص عليه للمسكوت عنه من طريق علة الحكم التي يمكن إدراكها بمجرد المعرفة باللغة. أما الاقتضاء: فهو دلالة الكلام على مسكوت يتوقف عليه صدق الكلام، أو صحته من الناحية الشرعية، أو العقلية. . . كما سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>