للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - وقالوا أيضًا: إن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] دلّ بمنطوقه - كما هو إجماع الفقهاء - أن الأمة لا يصح زواج الرجل منها إذا كانت هنالك حرة في عصمته.

واعتبر الفقهاء إباحة الأمة مشروطة بعدم القدرة على الحرة، أخذًا من الآية الكريمة (١)، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا من طريق مفهوم المخالفة.

ولولا الأخذُ بمفهوم المخالفة في الآية، ونفي الحكم للمسكوت بانتفاء القيد، لكان زواج الأمة مباحًا لمن تكون في عصمته حرة، باعتبار أنه لا يقوم بها سبب من أسباب التحريم بمقتضى قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] بعد أن ذكر المحرمات من النساء.

٢ - وأما المعقول:

فقالوا: إن الذي يتفق مع المنطق البياني السليم: أن القيد من وصف، أو شرط، أو غاية. . إلخ لا يمكن أن يوجد عبثًا، وإنما يكون ذكره لسبب، فإذا لم يكن هنالك مقاصد بيانية أخرى من وراء ذكر القيد - من ترغيب، أو ترهيب، أو نحوهما - ولم يقم دليل خاص على حكم المسكوت غير أخذه من التقييد - كما سيأتي في شروط الأخذ بهذا المفهوم - كان لا بد من الأخذ بهذا الطريق من طرق الدلالة.

فإذا كان الحِلُّ مقيَّدًا بقيدٍ ما: فالتحريم يكون عند تخلف هذا القيد، وإذا كانت الحرمة مقيدة بقيد ما: فالحكم بالحل يكون إذا تخلّف ذلك القيد. والعدول عن ذلك معناه ادعاء أن ذكر القيد في نصوص الكتاب والسنّة كان عبثًا بلا فائدة، والعبث لا يمكن صدوره من الشارع الحكيم. وقد وقع الأخذ به من الصحابة وأعلام اللغة (٢).


(١) انظر: "المهذب" للشيرازي (٢/ ٤٤ - ٤٥)، "تبين الحقائق" للزيلعي (٢/ ١١١).
(٢) راجع: "روضة الناظر" لابن قدامة مع "الشرح" لبدران (٢/ ٢٠٦، ٢٠٧)، "الإسنوي والبدخشي في شرحَيْهما لمنهاج البيضاوي" (١/ ٣٩٦) فما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>