للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] فهذا تخصيص أيضًا؛ لأن الدليل المخصص مستقل مقترن بالعام.

ولذلك جاء عبد العزيز البخاري بعدة تعاريف وقرر أن المعتبر عند الحنفية أن التخصيص (هو: قصر العام على بعض أفراده بدليل مستقل مقترن).

قال في "كشف الأسرار": (فقيل: تخصيص العموم: بيان ما لم يرد باللفظ العام، وقيل: هو إخراج ما تناوله الخطاب عنه، وقيل: هو تعريف أن المراد باللفظ الموضوع للعموم: إنما هو الخصوص، وقيل: هو قصر العام على بعض مسمياته) وبعد أن أورد ذلك كله قال: (وفي كل هذه العبارات كلام، والحد الصحيح على مذهبنا أن يقال: هو قصر العام علي بعض أفراده بدليل مستقل مقترن) (١).

وهكذا نرى أن الدليل غير المستقل، كالاستثناء والشرط والغاية والصفة، لا يسمى صرفُ العام عن عمومه بواسطته تخصيصًا عند الحنفية، بل يسمى قصرًا، لأنه لا بد للتخصيص عندهم من معنى المعارضة، وليس في الاستثناء والصفة ونحوهما ذلك (٢).

وإذا كان الدليل مستقلًا، ولكنه لم يكن مقارنًا للعام بل متراخيًا عنه، فلا يسمى قصر العام بواسطته على بعض أفراده تخصيصًا، بل نسخًا أي رفعًا للحكم كقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ [الأحزاب: ٤٩] بالنسبة لقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فإن ذلك نسخ جزئي عندهم، لا تخصيص.

وكقول الرسول في شأن البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (٣). بالنسبة لقول الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣].


(١) راجع: "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (١/ ٣٠٦).
(٢) انظر: "أصول الفقه" للخضري (ص ٢٠٨ - ٢٠٩).
(٣) انظر ما سلف، ٢/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>