للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد وقفت أمتنا في الماضي على سبيل المعرفة - ويدها هي العليا - فأعطت لبني البشر عن طريق أئمتها الأعلام مناهج لتفسير النصوص، قائمةً على قواعد العربية، ومفهومات الشريعة في مقاصدها وأعرافها، فأوضحت معالم الطريق، وسلكت بالاستنباط أقوم السبل، وكان ذلك تحقيقًا لقول الله : ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣].

وقد مرّت تلك المناهج في مراحل أدخلتها في الطور العلمي القائم على أُسس وقواعد، وذلك بعد أن كان التفسير مبنيًا على السليقة العربية، وفهم من نزل الكتاب بلسانهم في ظل البيان النبوي الحكيم.

وهكذا كانت مناهج تفسير النصوص وقواعده عند أئمتنا الأولين: ثمرة جهود، ونتاج قرائح؛ فكانت الأساسَ الذي قام عليه البناء التشريعي، من حيث استخراجُ الأحكام من النصوص، ضمن إطار علمي من الضوابط، وفي ظل قواعد عامة تمنع الزلل، وتباعد عن الانحراف.

ولقد كان طبيعيًا - والعربية لسان شريعة الإسلام - أن توضع قواعد التفسير في ظل هذه الحقيقة. وهكذا وُضعت تلك القواعد بعد استقراء لأساليب العربية، وإدراك لطبيعتها في الخطاب، ومعرفة ما يمكن أن تؤديه الألفاظ والتراكيب من مدلولات، وإن كان للعرف الشرعي مكانه في التقديم، حين يدخل مدلول اللفظ العربي مع الشريعة في طور جديد.

وقد حفلت المكتبة الفقهية الإسلامية بالكثير من الآثار في هذا الموضوع، غير أن طابعًا من التعقيد طبع كثيرًا من المؤلفات في أصول الفقه، الأمر الذي احتاجت هذه القضية الكبرى معه إلى كثير من البحث والتنقيب، بغية الوصول إلى خيرات تلك الكنوز الدفينة، وراء العبارة الغامضة والأسلوب الذي كثيرًا ما يستعصي على غير ذوي الاختصاص، وإن كان عذر أولئك المؤلفين؛ أنهم التزموا طرائق عصورهم التي عاشوا في ظلها، وتأثروا بأساليبها ومناهج التأليف فيها.

ومن هنا كان لا بد للانتفاع بهذه الثروة المباركة، من جهد دائب، في

<<  <  ج: ص:  >  >>