للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسنعرض لأهم هذه المذاهب، ثم نأتي بأدلة كل منها، ونرجع ما نراه المختار. وبيان ذلك فيما يلي:

١ - كان في مقدمة هذه المذاهب القول، بأن الأمر لمطلق الطلب من غير إشعار بالوحدة أو الكثرة، فهو لا يقتضي المرة، كما لا يقتضي التكرار، وعلى ذلك: فهو لا يدل على فعل المأمور به مرة واحدة بخصوصها، كما لا يدل على فعله متكررًا، وإنما يدل على ما به يحصل وجود الفعل، والمرة أقل ما يمكن أن يتحقق به هذا الوجود للفعل، فصارت من ضروريات الإتيان بالمأمور به.

فإذا ورد الأمر في الكتاب أو السنة؛ فإن المكلف يخرج من عهدة الامتثال، بأن يأتي بما يحقق وجود ما أمر به، وأقل ما يمكن أن يحقق ذلك هو المرة، فإذا فعل المأمورَ به مرة: فقد خرج من العهدة واعتبر مؤديًا لما أمر به.

وإتيانه بالمرة مطلوب، لا على أن الأمر يدل عليها بذاته، بل على أنها أقل ما به يمكن حصول الفحل المطلوب أداؤه.

وبناء على هذا المذهب؛ فإن دلالة الأمر على تكرار المأمور به أحيانًا: لا تستفاد من الأمر، وإنما تستفاد من القرائن التي تحيط به؛ كأن يكون الأمر معلقًا على شرط، أو مقيدًا بوصف يعتبر الشارع كلًا منهما علة أو سببًا للمأمور به؛ وذلك كتقييد الأمر بجلد الزاني بالزنى في قول الله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] فإن الأمر يدل في هذا النص على طلب الجلد وإقامة حد الزنى وتكراره كلما وجد الزنى؛ لأن الشارع جعل الزنى علة، أو سببًا لوجوب الجلد فيتكرر بتكرره.

وقد ذهب إلى أن الأمر لمطلق الطلب - كما يقول الشوكاني - جماعة من المحققين، واختاره الحنفية وإمام الحرمين، والآمدي، والرازي، وابن الحاجب. وهو ما نراه عند البيضاوي والسبكي الذي قال: (وأراه رأي أكثر أصحابنا).

<<  <  ج: ص:  >  >>