للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقل : "فأتوه ما استطعتم" وكان حينئذ يلزم التكرار وإنما جاء (بمن) التي تفيد التبعيض وقال: فأتوا منه ما استطعتم".

ومن أدى من الأمر ما استطاع: فقد فعل ما أمر به، ومن فعل ما أمر به: فقد سقط عنه موجَب الأمر.

وفي هذا بُعد عن التكليف بما لا يطاق، الذي يلزم من حمل صيغة الأمر على التكرار (١).

قال ابن حزم: (والقول بالتكرار باطل، لأنه تكليف ما لا يطاق، أو القول بلا برهان، وكلاهما باطل، لأننا نسألهم - يعني أهل المذهب - عن تكرار الأوامر المختلفة، وبعضها يقطع عن فعل بعض، فلا بد ضرورة من ترك جميعها إلا واحدًا، فأيها هو الواجب؟ وهذا هو القول بلا برهان. وكل ما كان كذلك فهو باطل بلا شك (٢).

وهكذا يرجح في نظرنا أن الأمر المطلق، يدل على مجرد الطلب دون إشعار بالوحدة أو الكثرة، ويتحقق ذلك بمرة واحدة، فإذا قامت قرينة تشعر بإرادة التكرار جنحنا إليه، لهذه القرينة، وإلا اقتصرنا عند تفسير النص على أقل ما يتحقق به وجود المأمور به.

مثال ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [للبقرة: ١٨٥] (٣) فقد دل الأمر في هذا النص على التكرار، ولم يكن ذلك من ذات الأمر، وإنما كان من تعليق هذا الأمر - وهو طلب الصوم - على شرط متكرر وهو شهود الشهر، فعلى المكلف كلما شهد الشهر أن يصوم، ولا يخرج عن عهدة الامتثال إلا بذلك. وقد أشرنا من قبل إلى وجوب إقامة حد الزنى وتكراره كلما وجد الزنى، لأن الشارع قيد الأمر بجلد الزاني بالرني إذ جعله


(١) انظر: "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (٣/ ٧٥).
(٢) راجع: "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (٣/ ٧٥).
(٣) راجع: "أصول الفقه" للشيخ زكريا البرديسي (ص ٤١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>