للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقتصر الغزالي على هذه الأمثلة بل يرى أن مثل ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] وقوله : "إذا زالت الشمس فصل" وقول الرجل لزوجاته: من شهدت منكن الشهر فهي طالق، ومن زالت عليها الشمس فهي طالق (١).

وفي النصوص التي يرى فيها الأمر مقتضيًا للتكرار، يكون مرد التكرار عند الغزالي إلى الدليل الجديد، لا إلى التعليق نفسه سواء أقيلَ: إن الشرط كالعلة، والحكم يتكرر بتكرار العلة، أم قيل إن التكرار كان بالأسباب.

فالقائلون برد التكرار إلى أن الشرط كالعلة، والحكم يتكرر بتكرر العلة، فليتكرر بتكرر الشرط، وأن أوامر الشرع إنما تتكرر بتكرر الأسباب: هم في نظر الغزالي قائلون بأن الأمر المعلق يقتضي التكرار، لذا كان كل شق من كلامهم شبهة أخذ على نفسه الرد عليها.

١ - أما رد التكرار إلى العلة: فقد أجاب عنه، بأن العلة التي كان إليها الرد: إما أن تكون عقلية، وإما أن تكون شرعية.

فالعقلية: لا يعقل وجود ذاتها دون المعلول.

والشرعية: لا ينفصل النظر إليها عن ارتباطها بالقرينة، ذلك أنه لا يسلم تكرر المحكم بمجرد إضافته إلى العلة، بل لا بد من القرينة، والقرينة هي التعبد بالقياس القائم على العلة المشتركة بين المقيس والمقيس عليه، وذلك أن الشريعة أمرت باتباعها؛ لأنها اعتبرت أن الحكم يثبت بها، فالتكرار ليس من الإضافة إلى العلة، ولكن من قرينة الأمر باتباع العلة.

ب - أما تكرار الأوامر بتكرار الأسباب: فليس ذلك بموجب اللغة، بل بدليل شرعي في كل شرط. ومن أورد واقعة كان عدم التكرار فيها بدليل، يرد عليه وقائع كان التكرار فيها بدليل أيضًا؛ ففي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] وقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا … ﴾


(١) راجع: "المستصفى" (٢/ ٧ - ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>