للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: مسلك الجمهرة من الحنفية والمتكلمين الذين يقولون بعدم التكرار من الصيغة نفسها، ويردّون التكرار إلى ما هو غير التعليق بالشرط، أو التقييد بالوصف.

أ - فالبزدوي والسرخسي ومن وراءهما من الحنفية يردون التكرار في نصوص الكتاب والسنة إلى الأسباب؛ فوجوب الأداء إنما يتكرر بتجدد الأسباب لا بالتعليق بالشرط، أو التقييد بالوصف، حتى إذا لم يكن الشرط أو الوصف سببًا لا يدل الكلام على التكرار المشروط لتكرر الشرط، لأن وجود الشرط لا يقتضي وجود المشروط، بخلاف السبب، فإن وجوده يقتضي وجود المسبب (١).

والمتكلمون يصرحون برد التكرار إلى تجدد العلل، حيث إن تكرر العلة يستلزم تكرر المعلول.

غير أنهم قد اختلفت تعبيراتهم؛ فالشيرازي ينفي التكرار ويدافع عن رأيه بما يشبه دفاع السرخسي عن الحنفية. والآمدي وابن الحاجب وابن قدامة وابن السبكي والمحلي والبناني والعبادي، يرون التكرار إن أشعر التعليقُ أو التقييد بالعلية. ويعبر البيضاوي ومن بعده الإسنوي تبعًا للإمام الرازي في "المحصول" بأن التعليق أو التقييد يقتضي التكرار قياسًا لا لفظًا. غير أن الإمام الغزالي كما رأينا، ينفرد بأن مرد التكرار إلى العلة لا يقتضي أنها وحدها، وإنما معها قرينة اعتبار الشرع للعلة الشرعية، وأنا متعبدون بها.

أما العلة العقلية: فهي وإن كانت موجبة لذاتها، فإنه لا يعقل وجود ذاتها دون المعلول.

أما إذا أردنا تكرار أوامر الشرع إلى الأسباب: فليس ذلك من وضع اللغة، بل بدليل شرعي في كل شرط.

وهكذا تتضح معالم الخلاف بين القائلين بالتكرار، وبين الجمهرة التي لا تقول به.


(١) "مذكرات في أصول الفقه" لأحمد فهمي أبو سنة (ص ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>