للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكمال بن الهمام في "التحرير" حين أبان أن الأمر غير المقيد بوقت: هو لمجرد الطلب فيجوز التأخير، وجاء ابن أمير الحاج فقرر في شرحه لكلام ابن الهمام: أن التأخير يجوز على وجه لا يفوت المأمور به أصلًا، وأن البدار به يجوز ثم قال: (وهو الصحيح عند الحنفية) (١).

على أنه يبدو من تعبير التفتازاني بالمختار، وتعبير أبي أمير الحاج بالصحيح: أنهم لا يغفلون أن هنالك من يقول بالفور من الحنفية كما أشرنا من قبل - وهو ما صرح به صاحب "التقرير والتحبير" فيما بعد من أن القول بالفور معزو إلى البعض منهم، ولكنه قول خارج على الصحيح وخارج على المختار عند أهل المذهب.

وهكذا يظهر لنا أن الإطلاق في نسبة القول بالفور إلى الحنفية دون إيضاح أن المختار أو الصحيح عندهم غير ذلك: لا يتسق مع المحرر في كتبهم. وعلى ذلك: فمن الخير إذا كان هنالك اختلاف بين الشافعية والحنفية مثلًا في بعض الفروع؛ أن لا نردَّه إلى اختلافهم في الفور والتراخي، وإنما إلى تقديم القرينة التي صرفت الأمر المطلق عن مجرد الطلب، إلى غيره عند كل فريق (٢) مثلما جرى في اختلافهم بشأن الحج: فهو واجب على الفور عند الحنفية، وعلى التراخي عند الشافعية كما سيأتي.


= كان لمعارض أن يقول: جاء للفور وللتراخي فلا يثبت التراخي إلا بقرينة، فعند عدمها يثبت الفور، فدفعها المصنف بأن الفور أمر زائد ثبوتي فيحتاج إلى القرينة بخلاف التراخي فإنه عدم أصلي، فصار ما ذكره موافقًا لما هو المختار من أن مطلق الأمر ليس على الفور، فلا دلالة للأمر على أحدهما بل كل منهما بالقرينة) "التلويح" (١/ ٢٠٢).
(١) راجع: "التقرير والتحبير" (١/ ٣١٦).
(٢) راجع: "السرخسي في الأصول" (١/ ٢٦)، والزنجاني في "تخريج الفروع على الأصول": (ص ٤٠ - ٤١) حيث نسب السرخسي القول بالفورية إلى الشافعي استنتاجًا من كلام له في "الأم"، ونسبه الزنجاني إلى مذهب الشافعي دون بيان أي اتجاه آخر في المذهب، وفرع على ذلك عددًا من المسائل. وانظر تعليقنا على هذا في (ص ٤١) عن "تخريج الفروع على الأصول".

<<  <  ج: ص:  >  >>