للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسبابًا للأحكام. والفساد بهذا المعنى لا يقتضيه النهي في المنهي عنه؛ لأن النهي عن العمل لا يكون مناقضًا لمشروعيته على هذا التفسير، فلو صرح الشارع وقال: نهيتك عن الطلاق في الحيض لعينه، لكن إن فعلت بانت زوجتك. ونهيتك من إزالة النجاسة عن الثوب بالماء المغصوب، لكن إن فعلت طهر الثوب. ونهيتك عن ذبح شاة الغير بسكين الغير من غير إذن، لكن إن فعلت حلت الذبيحة؛ فشيء من هذا ليس يمتنع ولا يتناقض، بخلاف قوله: حرمت عليك الطلاق، وأمرتك به، أو أبحته لك، وحرمت عليك الاستيلاد الجارية الابن وأوجبته عليك، فإن ذلك متناقض لا يعقل؛ لأن التحريم يضاد الإيجاب، ولكن لا يضاد هذا الإيجاب كون المحرم منصوبًا علامة الملك والحل وسائر الأحكام (١).

ثم أن الفساد في المنهي عنه: إما أن بدل من جهة اللغة، وإما أن يدل من جهة الشرع.

أما من حيث اللغة: فالأحكام الشرعية لا يناسبها اللفظ - كما يقول الغزالي - من حيث وضعُ اللسان، إذ يعقل أن يقول العربي: هذا العقد الذي يفيد الملك والأحكام، إياك أن تفعله وتقوم عليه.

وأما من حيث الشرع: فلم يقم دليل على أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه (٢).

واحتج صاحب "منهاج الوصول" من الزيدية أيضًا بأن النهي لا يكفي في اقتضاء الفساد، بل لا بد من الدليل؛ فبعد أن قرر أن هذا القول هو الصحيح عندهم قال: (والحجة لنا على تصحيحه أن معنى كون الشيء فاسدًا: أنه لم يقع موقع الصحيح في سقوط القضاء واقتضاء التمليك، والمعلوم أن المنهي عنه قد يقع صحيحًا كطلاق البدعة، والبيع وقت النداء،


(١) راجع: "المستصفى" للغزالي (٢/ ٢٥ - ٢٦)، "الفصول اللؤلؤية" في أصول الزيدية (ص ٦٣) مخطوطة دار الكتب المصرية.
(٢) راجع: "المستصفى" (٢/ ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>