للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذاته عبادة رتب الشارع على فعلها الثواب، ولا يمكن أن يكون الأمر القبيح لذاته قربة وطريقًا إلى الثواب، بلى لا يمكن أن يكون لذلك مشروعًا، ولذلك وجب أن ينصرف النهي - كما قدمنا - إلى الوصف اللازم له (١).

فالصيام المنهي عنه يوم العيد: مشروع بأصله، بالنظر إلى ذاته، ولكنه قبيح لما اتصل به، وهو الإعراض عن ضيافة الله تعالى في ذلك اليوم.

ومثل ذلك يقال في البيع بشرط فاسد؛ فالبيع الذي نُهيَ عنه في هذه الحال: مشروع بأصله بالنظر إلى ذاته، ولكنه قبيح لما اتصل به، وهو الشرط الذي ينافي مقتضى العقد، وهذا يقال في سائر الحالات؛ سواء أكان المنهي عنه لوصفه: عبادة من العبادات، أو عقدًا من العقود الشرعية في الأنكحة والمعاملات (٢).

ولهذا يثبت لكل من الأصل والوصف مقتضاء؛ فالبيع مثلًا فيما ذكرناه يثبت به الملك، لوجود حقيقته بتوافر الركن والمحل، وفي الوقت نفسه يجب فسخه خروجًا من الحرمة، نظرًا لوجود الوصف المنهي عنه، وإن كان وجوب الفسخ خروجًا من الحرمة - كما يرى ابن الهمام - لا يكون إلا فيما يمكن رفعه، كالبيع بالخمر مثلًا؛ إذ يمكن فسخ العقد، أو الاتفاق على ثمن مشروع غير الخمر. بخلاف ما لا يمكن رفعه، كحل ما ذبح وهو ملك الغير؛ فإذا ذبح ملك الغير: فالحل واقع مع الإثم على الفاعل، ولكن الرفع غير ممكن، إذ لا قدرة للعبد على رفع المعصية المترتبة على هذا الفعل المنهي عنه - وهو ذبحه حيوان الغير بغير إذنه - بإعادته إلى ملك صاحبه وبالروح، فلا يكون مأمورًا بهذا.

قال ابن أمير الحاج: (والمفيد لهذا ما أخرج الدارقطني بسند جيد من


(١) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ٨٥) فما بعدها، "التلويح على التوضيح" (١/ ٢١٦) فما بعدها، "سلم الوصول تشريح نهاية السول" للشيخ بخيت (٢/ ٣٠١).
(٢) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ٨٥) فما بعدها، "التوضيح" و"التلويح" (١/ ٢١٦ - ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>