للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومرتكب الكبيرة عندهم في منزلة بين المنزلتين.٢ - الذين قالوا: الإيمان قول وعمل (١) , وكل طاعة هى شعبة من الإيمان أو جزء منه، الإيمان يكمل باستكمال شعبه وينقص بنقصها، ولكن منها ما يذهب الإيمان كله بذهابه ومنها ما ينقص بذهابه.

فمن شعب الإيمان أصول لا يتحقق إلا بها، ولا يستحق مدعيه مطلق الاسم بدونها.

ومنها واجبات لا يستحق الاسم المطلق بدونها.

ومنها كمالات يرتقى صاحبها إلى أعلى درجاته.

(وتفصيل هذا كله حسب النصوص)

وهم أهل السنة والجماعة.

ب - الذين قالوا: إنه يكون بالقلب واللسان فقط: طائفتان

١ - الذين منهم يدخلون أعمال القلب وهم بعض قدماء المرجئة الفقهاء وبعض محدثى الحنفية المتأخرين

٢ - الذين لا يدخلون أعمال القلب، وقد تطور بهم الأمر إلى إخراج قول اللسان أيضا" من الإيمان وجعلوه علامة فقط وهم عامة الحنفية (الماتريدية)

ج-الذين قالوا: إنه يكون بالقلب فقط: ثلاث طوائف

١ - الذين يدخلون فيه أعمال القلب جميعا، وهم سائر فرق المرجئة كاليونسية والشمرية والتومنية.

٢ - الذين يقولون:

هو المعرفة فقط:

الجهم بن صفوان.

٣ - الذين يقولون:

هو التصديق فقط:

الأشعرية والماتريدية.

هذه هي الأصول النظرية عامة.

أما في واقع الظاهرة فقد تقلصت هذه الفرق إلى أقل من ذلك نظرا للتداخلات والتطورات الفكرية التى كان أهمها وأجلاها:

١ - استخدام قواعد المنطق وإدخاله علما معياريا يحكم في القضايا النظرية الخلافية عامة, ومنها قضية الإيمان.

٢ - تحول مباحث العقيدة أو التوحيد والإيمان إلى "علم الكلام" الذى يقوم على أسس فلسفية ويستخدم القواعد المنطقية، وإجمالا هو مباحث نظرية عقلية ليس للنصوص فيها - إن وجدت - إلا مكانة ثانوية، لا سيما في العصور الأخيرة. وهذا ما سوف نفصل الحديث فيه عما قليل.

والمهم هنا أن هذه الأسباب وغيرها من الأسباب التاريخية البحتة أدت إلى انقراض بعض الفرق الإرجائية، وهي:

١ - الكرامية: لم يعد لهم وجود ولا لفكرهم إلا في كتب المخالفين، مع أنها آخر المذاهب المبتدعة في الإيمان (٢) , ظهورا. وانقراضهم قديم نسبيا، يقول الذهبى (فى القرن الثامن): " وكان الكرامية كثيرين بخراسان ولهم تصانيف، ثم قلوا وتلاشوا، نعوذ بالله من الأهواء" (٣).هذا مع أنه كان لهم وجود ظاهر حتى نهاية القرن السادس ومطلع السابع، فإن المؤرخين للرازى وعلى رأسهم ابن السبكى (٤). ذكروا مناظراته لهم، وكتب الرازى تنضح بذلك، والرازى هو الإمام الثانى للأشعرية توفى سنة ٦٠٦هـ (٥).

وقبل ذلك أثناء ظهور إمام الأشعرية الأول وناشر المذهب (أبو بكر الباقلاني) , كان في مقدمهم ابن الهيصم يكتب ويناظر في الطرف الآخر. قال شيخ الإسلام: " وقد رأيت لابن الهيصم فيه مصنفا في أنه قول اللسان فقط، ورأيت لابن الباقلانى فيه مصنفا أنه تصديق القلب فقط، وكلاهما في عصر واحد وكلاهما يرد على المعتزلة والرافضة " (٦) ..

٢ - الجهمية وأصحاب المقالات (كاليونسية والشمرية):

انقرض القائلون بأن الإيمان هو مجرد المعرفة القلبية.

ولكن العجيب هو قيام أعظم مذهبين في الإرجاء وهما الأشعرية والماتريدية اللذان يشكلان جملة الظاهرة العامة على أصوله في أن الإيمان هو ما في القلب فقط، حتى إن الماتريدية أولت ما هو مشهور عن أبي حنيفة أن الإقرار باللسان ركن آخر للإيمان، وجعلوه علامة فقط كما سيأتى عنهم.


(١) على ما سبق فى شرح هذه العبارة.
(٢) قال ذلك شيخ الإسلام، ((مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٥٦).
(٣) ((سير أعلام النبلاء)) (١١/ ٥٢٤)، ترجمة محمد بن كرام "المؤسس".
(٤) انظر ترجمة الرازى فى "طبقاته" (٨/ ٨١).
(٥) انظر: ((لسان الميزان)) (٤/ ٤٢٩)، وإمامهم المتقدم هو الباقلانى.
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>