للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله عنهم وأرضاهم إنهم والله لهم الحكماء والعلماء والمريدون وجه الله بما يشيرون، وبما يجمعون به الأمة.

لم تكن الدنيا شغل الصحابة الشاغل، ولم يكونوا يسعون للملك والرئاسة، بل يريدون تبليغ دين الله تعالى، ويسعون في مصلحة المسلمين دون نظر إلى مصالحهم، أو السعي لتحقيق مآربهم، تعرض على أحدهم الدنيا فيردها يبتغي الأجر من الله بتوحيد صف المسلمين وحقن دمائهم، فها هو ذا الحسن بن علي رضي الله عنه يتنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان سنة أربعين، ويسمى هذا العام عام الجماعة لاجتماع كلمة المسلمين على معاوية رضي الله عنه. فالحسن تنازل عن الخلافة حرصا منه على الجماعة المسلمة، وخوفا من أن يراق دم من دماء المسلمين، لذلك لما اجتمع الجيشان ورآهم أمثال الجبال في الحديد من كثرتهم قال: "أضرب بين هؤلاء وهؤلاء في ملك من ملك الدنيا، لا حاجة لي فيه" (١).وخطب رضي الله عنه في أهل العراق بعد وفاة علي بن أبي طالب وقال: إن كل ما هو آت قريب، وإن أمر الله عز وجل لواقع، ماله من دافع، ولو كره الناس، وإني ما أحب أن ألي من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما يزن مثقال ذرة حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم، قد عرفت ما ينفعني مما يضرني" (٢).ولقد ذمه بعض أصحابه وأنصاره على تنازله عن الخلافة لمعاوية، حتى قال له رجل منهم لما قدم رضي الله عنه إلى الكوفة قال له: "السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل هذا!! لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك" (٣).وقال له آخر: يا عار المؤمنين!! فقال له: العار خير من النار (٤).


(١) كتاب ((الشريعة)) للآجري (٥/ ٢١٦٩).
(٢) كتاب ((الشريعة)) للآجري (٥/ ٢١٦٩).
(٣) انظر ((البداية والنهاية)) (٨/ ١٩).
(٤) انظر ((فتح الباري)) (١٣/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>