للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقول الشيخ " ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فيما يرويه عن ربه ((ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشى، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له منه)).

قال: والمحب التام لا يؤثر فيه لوم اللائم وعذل العاذل، بل ذلك يغريه بملازمة المحبة - كما قد قال الشعراء في ذلك (١)، وهؤلاء هم أهل الملام المحمود، وهم الذين لا يخافون من يلومهم على ما يحب الله ويرضاه من جهاد أعدائه، فإن الملام على ذلك كثير، وأما الملام على فعل يكرهه الله أو ترك ما أحبه فهو لوم بحق، وليس من المحمود الصبر على هذا الملام، بل الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

وبهذا يحصل الفرق بين " الملامية " الذين يفعلون ما يحبه الله ورسوله ولا يخافون لومة لائم في ذلك، وبين " الملامية " الذين يفعلون ما يبغضه الله ورسوله، ويصبرون على الملام في ذلك " (٢).

أقول: يطول الحديث في التفصيل في هذا العمل القلبي العظيم، وبيان درجاته، وأدلة كل درجة، وأثر ذلك في أعمال الإيمان من صلاة وزكاة ونحوها ولكن ضيق المجال والرغبة في الاختصار بتجاوز ما قد سطر ولعل في الحديث عن الأعمال القلبية الأخرى ما يكمل الفائدة مجتمعة، والله المستعان.

٣ - اليقين:

لليقين معنيان وإن شئت فقل: هو معنى واحد منظور له من جهتين:

١ - اليقين من حيث هو أصل للإيمان، إذ لا إيمان مع الشك.

٢ - اليقين من حيث هو درجة عليا من درجات الإيمان.

فبالنظر للمعنى الأول يكون كل مؤمن موقنا وإلا لم يستحق أسم الإيمان، وبالنظر للمعنى الآخر - ليس كل مؤمن موقنا، بل الموقنون طائفة خاصة من المؤمنين.

فإما اليقين بالمعنى الأول فهو شرط من شروط شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أي إن الإيمان المجمل - قول القلب واعتقاده - لا يتحقق إلا به، فمن شك في الله أو في رسوله وما جاء به عن الله، فهو كافر لا شهادة له ولا إيمان.

بذلك أخبر الله تعالى الكفار حين قالوا لرسلهم:

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [إبراهيم:٩ - ١٠].

وأخبر أنهم إذا طلب منهم الإيمان بالبعث قالوا: مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية:٣٢]

لكن إذا كان يوم القيامة يقولون:

رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:١٢]

ولهذا جاء وصف القرآن أكثر من مرة بأنه لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى.


(١) [٤٤١٠] كقول القائل: أجد الملامة فى هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم
(٢) [٤٤١١] وهم فرقة من الصوفية، ألف عنهم أبو عبد الرحمن السلمى كتاب: ((الملامية)).

<<  <  ج: ص:  >  >>