للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى حديث جابر رضى الله عنه يقول: ((أنا من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول: اكشفوا عني سجف القبة أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يمنعني إن أحدثكموه إلا أن تتكلموا، سمعته يقول: ((من شهد أن لا أله إلا الله مخلصا من قلبه أو يقينا لم يدخل النار " أو " دخل الجنة " وقال مرة: " دخل الجنة ولم تمسه النار)) (١).

وروى الإمام مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه - في قصة تبوك - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((أشهد أن لا إله إلا الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " وفى رواية " فيحجب عن الجنة)) (٢) وعنه في حديث أخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة) (٣).

وهذا اليقين - بهذا المعنى - هو حقيقة العلم بأن لا إله إلا الله وأن محمدا

رسول الله - ومن ثم ذكر بعض العلماء (العلم) شرطا مستقلا من شروط الشهادتين، مستدلين بقوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ [محمد: ١٩]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم ((من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة)) (١)

وعقد الإمام البخاري باباً بعنوان:" باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا أعلمكم بالله)) وأن المعرفة فعل القلب، لقوله تعالى لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:٢٢٥] ثم روى حديثا آخره: ((إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا)) (٢).

لكن لم أر أن أفراده هنا - أي العلم - لأن الحديث عن اليقين يشمله ويتضمنه، ولأن الحديث عن ضده، وهو الجهل بالتوحيد - كليا أو جزئيا - يحتاج لتطويل يخرج عن دائرة موضوعنا هنا.

وأما اليقين بالمعنى الأخر - أي اليقين الدرجة - فهو لب الإيمان وخلاصته وزبدته، كما قال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه " اليقين الإيمان كله " (٣)، وفي المسند " أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شك فيه، وغزو لا غلول فيه، وحج مبرور" (٤) وهو يقابل الإيمان الكامل المفصل كما أن ذاك يقابل الإيمان المجمل، ولهذا جاء في القرآن شرطاً للإمامة في الدين، فقال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:٢٤]

ومن ارتباطه بالصبر قوله تعالى:

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ [الروم:٦٠]

وأخبر الله تعالى عن إمام الموحدين، فقال:

وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: ٧٥].

فقد كان الإيمان متحققا عنده - كما أخبر الله تعالى عنه في الآية التي قبلها:

((وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماء إلهة إني أراك وقومك في ضلل مبين))، فرقاه الله إلى درجة اليقين، مثلما كان مؤمناً بأن الله يحيى الموتى لكن طلب الرؤية لتحصل الطمأنينة التي هي برد اليقين (١).

وهذا اليقين هو الذي عبر عنه بعض السلف بقوله: " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا " (٢).

وقال الآخر: " رأيت الجنة والنار حقيقة، قيل له: كيف قال: رأيتهما بعيني رسول الله ورؤيتي لهما بعينيه آثر عندي من رؤيتي لهما بعيني، فإن بصري قد يطغى ويزيغ، بخلاف بصره صلى الله عليه وسلم" (٣).


(١) [٤٤١٢] ((المسند)) (٥/ ٢٣٦)، وسنده من أصح الأسانيد واجلها فإن الإمام أحمد رواه عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر – رضى الله عن الجميع.
(٢) [٤٤١٣] (رقم ٤٤)
(٣) [٤٤١٤] (رقم ٥٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>