للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اختلافهم بعد هذا الاتفاق في أي القول يدخل في الإيمان، وفقهاء المرجئة جعلوا قول القلب وقول اللسان كله من الإيمان.

وأفاد أيضا اتفاق مرجئة الفقهاء والجهمية ومن تبعهم على إخراج العمل من الإيمان، فأخرجوا عمل القلب وعمل اللسان من الإيمان.

ومع ما تقدم من نقول تفيد إخراج فقهاء المرجئة عمل القلب من الإيمان، فقد جاء التصريح بذلك في كلام شارح العقيدة الطحاوية. ومعلوم أن صاحب الشرح، وصاحب المتن كلاهما على مذهب أبي حنيفة، والعقيدة الطحاوية مصنفة أساس لتقرير معتقد أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد، كما جاء في مقدمتها، حيث يقول الطحاوي: "هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبدالله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين" (١)، ثم ذكر معتقدهم، ومنه قوله:

"ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".قال ابن أبي العز معلقا على ذلك: "وتسمية حب الصحابة إيمانا مشكل على الشيخ رحمه الله - يعني الطحاوي -؛ لأن الحب عمل القلب، وليس هو التصديق، فيكون العمل داخلا في مسمى الإيمان، وقد تقدم في كلامه أن: الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان (٢)، ولم يجعل العمل داخلا في مسمى الإيمان، وهذا هو المعروف من مذهب أبي حنيفة، إلا أن تكون هذه التسمية مجازا" (٣).وقد بين من قبل رحمه الله أن مرجئة الفقهاء لا ينازعون في القول - الذي هو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان -، وإنما ينازعون في شمول اسم الإيمان للعمل (٤)، ثم ذكر أن العمل قسمان: عمل القلب، وعمل الجوارح (٥).

٤ - إخراج العمل الظاهر - عمل الجوارح - من الإيمان: يمكن عندهم حصول الإيمان التام في القلب بدون العمل الظاهر، فقد ذكر شيخ الإسلام أن من الأغلاط التي يقول بها المرجئة جميعا "ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون العمل الظاهر" (٦).ويقول: "والمرجئة المتكلمون منهم، والفقهاء يقولون: إن الأعمال قد تسمى إيمانا مجازا؛ لأن العمل ثمرة الإيمان ومقتضاه؛ ولأنها دليل عليه" (٧).وهذا لا يعني أنهم لا يقيمون للأعمال وزنا، بل عندهم أن الأعمال المفروضة واجبة، ويرون أن الإيمان بدون العمل المفروض، ومع فعل المحرمات، يكون صاحبه مستحقا للذم والعقاب (٨).

لكنهم مع ذلك يعدون فعل الواجبات وترك المحرمات ليس من الإيمان.

يقول شيخ الإسلام: "وقابلتهم - يعني الخوارج والمعتزلة - المرجئة، والجهمية، ومن اتبعهم من الأشعرية، والكرامية، فقالوا: ليس من الإيمان فعل الأعمال الواجبة، ولا ترك المحظورات البدنية.


(١) ((العقيدة الطحاوية))، للطحاوي، تعليق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، نشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، طبعة سنة ١٤٠٩هـ، (ص٣).
(٢) يقول الطحاوي: "والإيمان هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان". ((العقيدة الطحاوية))، (ص١٩)، وشرحها (٢/ ٤٥٩).
(٣) ((شرح العقدية الطحاوية)) (٢/ ٦٩٨).
(٤) انظر: ((شرح الطحاوية)) (٢/ ٤٦٣).
(٥) انظر: ((شرح الطحاوية)) (٢/ ٤٧٨)، وراجع ما تقدم (ص١٧٤، ١٧٩).
(٦) ((الإيمان)) (ص٣٤٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٦٤).
(٧) ((الإيمان)) (ص١٨٤) ((الفتاوى)) (٧/ ١٩٥).
(٨) انظر: ((الإيمان)) (ص٢٨١ - ٢٨٢) ((الفتاوى)) = (٧/ ٢٩٧)؛ و ((الفتاوى)) (١٣/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>