للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت هذه الممارسات، بهذه الهيئة، وهذه الكيفية، سبباً من أسباب فتح الجدال: هل من يفعل مثل هذا مؤمن كامل الإيمان؟ وهل لأفعاله هذه صلة، بإيمانه، وكماله؟ ولعل النقاش كان يدور في نطاق أوسع حول المقتتلين في هذه الفتنة، وهل هم مؤمنون كاملوا الإيمان؟ وما صلة أعمالهم بإيمانهم؟ ولعل النقاش - أيضاً - امتد إلى مسائل متعددة؛ كمرتكب الكبيرة، وغيرها، فكانت هذه الأحداث، وما أفرزته من مجادلات، سبباً في بروز الفكر الإرجائي المبتدع، وفي هذا يقول د. سفر الحوالي: "وهنا برز قرن الإرجاء بين صفوف هؤلاء اليائسين المستسلمين للأمر الواقع، كما تجرأ الذين كانوا مرجئة من قبل؛ فأعلنوا مذهبهم، واستغلوا آثار الهزيمة" (١).وفي أثناء هذه الفتنة العجيبة، وما تبعها من آلام، ومآس، غابت عن جملة من الفقهاء طريقة السلف الذين يعتقدون ثبات الأصول العقدية، ويعتقدون أن الفتنة، والأحداث، مهما كانت أليمة، يجب أن لا ينحرف المسلمون عن منهج النبوة الحق؛ فذهبوا يبحثون في مسائل الإيمان، والعمل على غير المنهج النبوي، تحت ضغط الواقع، ومجادلات أرباب البدع الأخرى، ولتقرير هذه القاعدة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأهل البدع إنما دخل عليه الداخل لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها، إما في دلالة الألفاظ، وإما في المعاني المعقولة، ولا يتأملون بيان الله، ورسوله، وكل مقدمات تخالف بيان الله، ورسوله، فإنها تكون ضلالا؛ ولهذا تكلم أحمد في رسالته المعروفة في الرد على من يتمسك بما يظهر له في القرآن من غير استدلال ببيان الرسول، والصحابة، والتابعين، وكذلك ذكر في رسالته إلى عبدالرحمن الجرجاني، في الرد على المرجئة، وهذه طريقة سائر أئمة المسلمين؛ لا يعدلون عن بيان الرسول إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومن عدل عن سبيلهم، وقع في البدع التي مضمونها أنه يقول على الله، ورسوله، ما لا يعلم، أو غير الحق" (٢).


(١) ((ظاهرة الإرجاء))، (ص ٢٦١).
(٢) ابن تيمية، ((كتاب الإيمان))، (ص٢٢٧)، ت. الألباني، ١٤٠٠هـ، مكتبة مالك بن أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>