للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا السبيل البدعي سلك بعض الفقهاء مسلك البدعة، عندما عرضت لهم شبهة الإرجاء، فوسعوا المفهوم اللغوي المحدود المعنى، ليشمل تعريف الإيمان، وعلاقته بالعمل، فوقعوا في هذه البدعة المنكرة، التي أسهمت في انحراف المجتمع، فيما بعد، تحت دعاوى الإرجاء، التي مضمونها عدم شعور المرء بأي إثم، أو خطيئة، طالما أن العمل منفصل عن الإيمان، ولا يؤثر فيه بزعمهم. وقد اتهم بهذا الإرجاء جملة من الفقهاء العباد من علماء أهل السنة؛ ومنهم: حماد بن أبي سليمان (١)، وطلق بن حبيب العنزي (٢)، وعمر بن ذر الهمذاني (٣)، وإبراهيم بن يزيد بن شريك التميمي (٤)، ومحمد بن خازم "أبو معاوية الضرير" (٥)، وأبو حنيفة النعمان (٦)، وخارجة بن مصعب (٧)، وعبدالعزيز بن أبي رواد (٨)، ومحمد بن السائب بن بشر (٩)، ومسعر بن كدام (١٠)، ومحارب بن دثار (١١)، وعون بن عبدالله بن مسعود (١٢)، وموسى بن أبي كثير (١٣)، وعباد بن منصور الناجي (١٤)، وعباد بن كثير (١٥)، وعبدالكريم بن أبي المخارق (١٦)، وأصرم بن غياث (١٧)، وسعيد بن سالم (١٨)، والصلت بن مهران (١٩)، وسالم بن عجلان الأفطس (٢٠)، وقيس بن عمرو الماصر" (٢١).ويمكننا بيان مذهب هؤلاء الفقهاء بالإرجاء على النحو التالي؛ حيث يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، مفصلاً لهذه البدعة: "وحدثت المرجئة، وكان أكثرهم من أهل الكوفة، ولم يكن أصحاب عبدالله من المرجئة، ولا إبراهيم النخعي، وأمثاله، فصاروا نقيض الخوارج، والمعتزلة؛ فقالوا: إن الأعمال ليست من الإيمان، وكانت هذه البدعة أخف البدع؛ فإن كثيراً من النزاع فيها نزاع في الاسم واللفظ، دون الحكم؛ إذ كان الفقهاء الذين يضاف إليهم هذا القول؛ مثل حماد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة، وغيرهما، هم، مع سائر أهل السنة، متفقون على أن الله يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار، ثم يخرجهم بالشفاعة، كما جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك، وعلى أنه لابد في الإيمان أن يتكلم بلسانه، وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة، وتاركها مستحق للذم، والعقاب، فكان النزاع في الأعمال هل هي من الإيمان، وفي الاستثناء، ونحو ذلك، عامته نزاع لفظي؛ فإن الإيمان إذا أطلق دخلت فيه الأعمال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))، وغذا عطف عليه العمل؛ كقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ [البقرة: ٢٧٧]، فقد ذكر مقيدا بالعطف؛ فهنا قد يقال: الأعمال دخلت فيه، وعطفت عطف الخاص على العام" (٢٢)،


(١) انظر الذهبي، ((سير أعلام النبلاء))، (٥/ ٢١٣).
(٢) البخاري، ((الضعفاء الصغير))، (ص١٢٧)، و ((سير أعلام النبلاء))، (٤، /٦٠١).
(٣) ((سير أعلام النبلاء))، (٦/ ٣٨٥).
(٤) ((سير أعلام النبلاء))، (٥/ ٦٠).
(٥) ((سير أعلام النبلاء))، (٩/ ٧٣).
(٦) ((تاريخ بغداد))، (١٣/ ٣٣٨).
(٧) ((سير أعلام النبلاء))، (٧، /٣٢٦)، ((الضعفاء الصغير))، (ص٨٤).
(٨) ((سير أعلام النبلاء))، (٧/ ١٨٤).
(٩) ((سير أعلام النبلاء))، (٩/ ٢٤٨).
(١٠) ((سير أعلام النبلاء))، (٧/ ١٦٣).
(١١) ((سير أعلام النبلاء))، (٥/ ٢١٧).
(١٢) ((سير أعلام النبلاء))، (٥/ ١٠٣).
(١٣) ((تقريب التهذيب))، (ص٩٧٧).
(١٤) ((سير أعلام النبلاء))، (٥/ ١٠٥).
(١٥) ((الضعفاء الصغير))، (ص١٥٣).
(١٦) ((سير أعلام النبلاء))، (٦/ ٨٣).
(١٧) ((الضعفاء الصغير))، (ص٣٧).
(١٨) ((سير أعلام النبلاء))، (٩/ ٣١٩).
(١٩) ((الضعفاء الصغير))، (ص١٢٢).
(٢٠) ((تقريب التهذيب))، (ص ٣٦١).
(٢١) ((طبقات ابن سعد))، (٦/ ٣٢٩).
(٢٢) ((مجموع الفتاوى))، (١٣/ ٣٨) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>