للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضا فإن الجهمية يقرون بالرسل، وربما جاؤوا به، فهم في الجملة يقرون بأن الله خلق السموات والأرض، وغير ذلك مما جاءت به الرسل، بخلاف المتفلسفة. وبالجملة، فكمال النفس ليس في مجرد العلم، بل لابد من العلم بالله من محبته، وعبادته، والإنابة إليه، فهذا عمل النفس وإرادتها وذاك علمها ومعرفتها" (١).والمقصود أن الجهمية يرون "أن الأعمال الصالحة الظاهرة ليست لازمة للإيمان الباطن الذي في القلب، بل يوجد إيمان القلب تاما بدونها" (٢).ويقول شيخ الإسلام: "والمرجئة، المتكلمون منهم والفقهاء منهم، يقولون: إن الأعمال قد تسمى إيمانا مجازا؛ لأن العمل ثمرة الإيمان، ومقتضاه؛ ولأنها دليل عليه" (٣).وخلاصة مذهب الجهمية في هذا الباب أنهم يعتقدون "أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب، وإن لم يقترن به قول اللسان، ولم يقتض عملا في القلب، ولا في الجوارح" (٤).

٥ - الكفر عندهم لا يكون إلا بزوال التصديق من القلب.

نتيجة لمذهب الجهمية في الإيمان، فإنهم يرون أن الكفر لا يكون إلا بانتفاء التصديق من القلب، ولا يقع بغير ذلك مهما كانت المكفرات. يقول شيخ الإسلام: "وعند الجهمية إذا كان العلم في قلبه، فهو مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمان النبيين، ولو قال وعمل ما عسى أن يقول ويعمل، ولا يتصور عندهم أن ينتفي عنه الإيمان إلا إذا زال ذلك العلم من قلبه" (٥).

ويقول: "فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة: فهو كافر باتفاق المسلمين.

وهو كافر باطنا وظاهرا عند سلف الأمة وأئمتها، وجماهير علمائها. وذهبت طائفة من المرجئة، وهم جهمية المرجئة، كجهم، والصالحي، وأتباعهما إلى أنه إذا كان مصدقا بقلبه كان كافرا في الظاهر دون الباطن" (٦).ويقول مبينا فساد قول الجهمية: "وبهذا وغيره يتبين فساد قول جهم، والصالحي، ومن اتبعهما إلى أنه إذا كان مصدقا بقلبه كان كافرا في الظاهر دون الباطن" (٧).

ويقول مبينا فساد قول الجهمية: "وبهذا وغيره يتبين فساد قول جهم، والصالحي، ومن اتبعهما في الإيمان، كالأشعري في أشهر قوليه، وأكثر أصحابه، وطائفة من متأخري أصحاب أبي حنيفة، كالماتريدي، ونحوه:

حيث جعلوه مجرد تصديق في القلب، يتساوى فيه العباد، وأنه إما أن يعدم وإما أن يوجد، لا يتبعض، وأنه يمكن وجود الإيمان تاما في القلب مع وجود المتكلم بالكفر، والسب لله ورسوله، طوعا من غير إكراه. وأن ما علم من الأقوال الظاهرة أن صاحبه كافر؛ فلأن ذلك مستلزم عدم ذلك التصديق الذي في القلب" (٨).

ويقول: "ومن هنا يظهر خطأ جهم بن صفوان، ومن اتبعه:


(١) ((الفتاوى)) (٢/ ٩٤ - ٩٥)؛ وانظر: ((درء التعارض)) (٣/ ٢٧٤ - ٢٧٥).
(٢) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٨٢)، (ص٤٩٣) ط. ابن الجوز؛ ومثله في: ((الإيمان)) (ص٣٤٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٦٤).
(٣) ((الإيمان)) (ص١٨٤) ((الفتاوى)) (٧/ ١٩٥).
(٤) ((الصارم المسلول)) (٣/ ٩٦٠).
(٥) ((الإيمان)) (ص١٣٧) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤٣)؛ وانظر: ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٣٥ ٩، ٥٨٣)، (ص٤١٩، ٤٩٤) ط. ابن الجوزي.
(٦) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٦٠٩)، (ص٥٥٢) ط ابن الجوزي.
(٧) ((الإيمان)) (ص١٣٧) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤٣)؛ وانظر: ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٣٥، ٥٨٣)، (ص٤١٩، ٤٩٤) ط. ابن الجوزي.
(٨) ((الإيمان الأوسط))، ضمن ((الفتاوى)) (٧/ ٥٨٢، ط٤٩٣) ط. ابن الجوزي؛ وانظر: ((جامع الرسائل)) (١/ ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>