للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن أهل السنة مجمعون على ما دلت عليه النصوص من أن الإيمان شعب وأجزاء، وأنه يتكون من أقوال وأعمال، باطنة وظاهرة، وهذا الذي أجمعوا عليه هو الذي تقتضيه الصلة بين أجزاء الإيمان الباطنة والظاهرة.

فهذان جوابان في تقرير هذا المقام:

الجواب الأول: في تحرير مذهب أهل السنة والإيمان.

فمما أجمع عليه السلف أن الإيمان قول وعمل، ظاهر وباطن، وهذا بحمد الله تقدم بسط الكلام عليه.

الجواب الثاني: في بيان الصلة بين أجزاء الإيمان الباطنة والظاهرة.

وفقه العلاقة بين الباطن والظاهر، والقول والعمل، مانع للغلط في مسائل الإيمان، وناقض مهم لمقالة المرجئة على اختلاف فقهم في حقيقة الإيمان. فإن "من عرف الملازمات التي بين الأمور الباطنة والظاهرة زالت عنه شبهات كثيرة في مثل هذه المواضع التي كثير اختلاف الناس فيها" (١).والمرجئة إنما أتوا من جهة ظنهم انتفاء التلازم بين الباطن والظاهر، فوقعوا في الغلط (٢).وهذا أصل اعتنى شيخ الإسلام بشرحه، وأطال النفس في تقريره، إذ بين أن "الإيمان قول وعمل، أي: قول القلب، واللسان، وعمل القلب، والجوارح" (٣).فالإيمان "قول وعمل: قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر" (٤).وقول السلف: الإيمان قول وعمل، يريدون به قول القلب وعمل القلب، وهذا هو الباطن، وقول اللسان وعمل الجوارح، وهذا هو الظاهر (٥).والأصل هو القلب، والبدن تابع، أي أن الأصل هو الباطن، والظاهر تابع (٦)"لابد في أصل الإيمان من قول وعمل القلب" (٧)، إذ "أصل الإيمان قول القلب وعمله" (٨).

والقلوب مفطورة على قول القلب، وعمله.

ولا يتخلف عمل القلب إلا في حالة وجود معارض في القلب يحول بينه وبين ما فطر عليه.

وما دام أن القلب سليم، والمعارض مفقود، فإن قول القلب وعمله موجود.

ثم إذا وجد قول القلب وعمله لزم ضرورة حصول الظاهر من قول اللسان وعمل الجوارح، ولا يمكن أبداً أن يوجد في القلب تصديق وحب وخشية، ولا يحصل له أثر في الظاهر، من قول اللسان وعمل الجوارح.

وقد أكثر شيخ الإسلام جداً من تقرير هذه الحقيقة، ويتطلب الأمر نقل كثير مما جاء عنه في ذلك، ومنه قوله رحمه الله رحمة واسعة:"والله سبحانه فطر عباده على شيئين: إقرار قلوبهم به علما، وعلى محبته والخضوع له عملا وعبادة واستعانة، فهم مفطورون على العلم به والعمل له، وهو الإسلام الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة)) (٩)."

ويقول: "وأصل الإيمان قول القلب، وعمله، أي علمه بالخالق، وعبوديته للخالق، والقلب مفطور على هذا، وهذا. وإذا كان بعض الناس قد خرج عن الفطرة؛ بما عرض له من المرض، إما بجهله، وإما بظلمه، فجحد بآيات الله، واستيقنتها نفسه ظلما وعلوا، لم يمنع أن يكون الخلق ولدوا على الفطرة" (١٠).

ويقول: "من المعلوم أن معرفة الشيء المحبوب تقتضي حبه، ومعرفة المعظم تقتضي تعظيمه، ومعرفة المخوف تقتضي خوفه.


(١) ((الفتاوى)) (٧/ ٦٤٦)، وانظر منها (٧/ ٦١٦).
(٢) انظر: ((الفتاوى)) (٧/ ٦٤٦).
(٣) انظر: مجموعة ((الفتاوى الكبرى)) (٢/ ٢٧١).
(٤) انظر: ((الإيمان)) (ص١٧٧) ((الفتاوى)) (٧/ ١٨٧).
(٥) انظر: ((الفتاوى)) (٧/ ٦٧٢).
(٦) انظر: ((جامع الرسائل)) (١/ ٢٤٣).
(٧) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٢٩، ص٤١٣) ط. ابن الجوزي، وانظر: شرح حديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، (ص٣١)؛ و ((جامع المسائل)) (٥/ ٢٤٧).
(٨) ((درء التعارض)) (٣/ ١٧٣).
(٩) رواه البخاري (١٣٨٥) , ومسلم (٢٦٥٨) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٠) ((درء التعارض)) (٣/ ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>