للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هؤلاء لما قالوا هذا القول المخالف للنص والإجماع، وتوهموا أن قولهم هذا مجمع عليه بين أهل العلم، وقعوا فيما وقعوا فيه من مخالفات لنصوص الشرع الصحيحة الصريحة في أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا لغلط الذي وقعوا فيه هو في الحقيقة سبب غلطهم في كثير من مسائل الشرع والدين، "يقول الإنسان قولاً مخالفاً للنص والإجماع القديم حقيقة، ويكون معتقداً أنه متمسك بالنص والإجماع".

فإذا تبينت مخالفة هذا القول للنص والإجماع علم بطلانه، ثم إن قولهم إن الإيمان لا يجتمع معه شيء من الكفر أو شيء من النفاق غلط بين، ومخالف لكثير من النصوص الدالة على إمكان اجتماع شيء من الكفر أو النفاق مع الإيمان. قال شيخ الإسلام في كلام له: "وحينئذ فقد يجتمع في الإنسان إيمان ونفاق وبعض شعب الإيمان وشعبة من شعب الكفر، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذبك وإذا أئتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) (١). وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة نفاق)) (٢) وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) (٣) وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من أمر الجاهلية لن يدعوهن: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والنياحة، والاستسقاء بالنجوم)) (٤) وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) (٥) ... " (٦).

ثم أطال شيخ الإسلام رحمه الله في الاحتجاج لذلك، بما لا يدع مجالاً لمنصف وناشد حق أن يتردد في إمكان اجتماع شيء من الكفر والنفاق مع الإيمان، فيكون بذلك مؤمناً ناقص الإيمان أو مؤمناً ضعيف الإيمان، فلا يقال إنه ذاهب الإيمان لوقوعه في بعض هذه الأعمال المنصوص في الشرع على أنها كفر، ومن قال بخلاف ذلك فقد حكم على جميع الأمة إلا النزر القليل بالكفر لكثرة الكذب وإخلاف الوعد وضعف الأمانة ووجود السباب والفجور، والطعن في الأنساب والنياحة على الميت وغير ذلك من الأعمال المنصوص في الشرع على أنها كفر، فدل ذلك على أن هذه الأعمال المنصوص في الشرع على أنها كفر، فدل ذلك على أن هذه الأعمال وإن سماها المشارع كفراً فهي كفر عملي لا تخرج صاحبها من الملة، ودل أيضاً على إمكان وجود هذه الأمور المنصوص على أنها كفر في المسلمين، وبهذا تنتقض شبهة هؤلاء، والله أعلم.

ومما تنقض به هذه الشبهة قوله تعالى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ [التوبة: ١٠٦].


(١) رواه البخاري (٣٤) , ومسلم (٥٨) , من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
(٢) رواه مسلم (١٩١٠) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٣٠) , ومسلم (١٦٦١).
(٤) رواه مسلم (٩٣٤) من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
(٥) رواه البخاري (٦٠٤٤) , ومسلم (٦٤) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٦) ((الفتاوى)) (٧/ ٥٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>