للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهؤلاء ليسوا مؤمنين كما أنهم ليسوا كفاراً، فهم مؤمنون ناقصوا الإيمان، وبهذه الآية احتج أيوب السختياني لنقض قول المرجئة هذا. فقد روى ابن بطة بإسناده إلى سلام بن أبي مطيع قال شهدت أيوب وعنده رجل من المرجئة فجعل يقول: إنما هو الكفر والإيمان قال: وأيوب ساكت، قال: فأقبل عليه أيوب، فقال: أرأيت قوله: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ [التوبة: ١٠٦]. أمؤمنون أم كفار؟ فسكت الرجلن فقال له أيوب: اذهب فاقرأ القرآن، فكل آية فيها ذكر النفاق فإني أخافها على نفسي (١).

الشبهة الخامسة:

احتجاج بعضهم ببعض الأحاديث المذكوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحتجون بهذه الأحاديث صنفان:

الأول: واضعوا هذه الأحاديث فجميعهم من المرجئة كما سيأتي بيان ذلك، وقد وضعوها للاحتجاج بها على مذهبهم الباطل. الثاني: أناس آخرون من المرجئة ليس عندهم تمييز بين الصحيح والسقيم رأوا هذه الأحاديث واغتروا بها لموافقتها أهواءهم (٢).

وجملة ما وقفت عليه في هذا من أحاديث ستة أحاديث، ويفرغ من أمرها بمعرفة كذبها على النبي صلى الله عليه وسلم واختلاقها عليه، وقد قمت بدراسة هذه الأحاديث ونقدها، وبينت أنها جميعها مكذوبة مفتراة على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بالنقل عن أئمة هذا الشأن من علماء الجرح والتعديل.

ثم إني وجت أن جميع واضعي هذه الروايات والذين تولوا كبرها وتحملوا وزرها من المرجئة القائلين بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وقد نص أهل العلم على أنهم من الكذبة، وستأتي تراجمهم وأقوال علماء الجرح والتعديل فيهم عند ذكر روايتهم، وقد أوغل هؤلاء في الضلال حينما تجرأوا على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعماً لمذهبهم الباطل وتأييداً له، وتعرضوا بذلك لوعيد الله وأليم عقابه.

وقد قال تعالى عن الكذبة بعامة: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل: ١٠٥].وقال صلى الله عليه وسلم عن عاقبة الكذب عليه بخاصة، وأنه ليس ككذب على أي أحد: ((إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار)) (٣).

ولا نقول إلا قاتل الله الهوى فكم فعل بأهله من الأفاعيل، وكم أدخلهم في مزالق ومعاطب مردية، حتى بلغ بهم على الكذب على خير الخلق عليه الصلاة والسلام نصرة لباطلهم وترويجاً له. ثم إليك تلك الروايات مسوقة مع كلام أهل العلم عليها:

١ - حديث مأمون بن أحمد السلمي، قال حدثنا أحمد بن عبدالله الجويباري، قال حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإيمان لا يزيد ولا ينقص)).

موضوع مأمون والجويباري كذابان.


(١) ((الإبانة)) (٢/ ٧٥٤).
(٢) انظر ((السواد الأعظم)) لابن الحكيم السمرقندي (ص٣٤)، و ((النبراس شرح العقائد)) (ص: ٤٠٢)، و ((عمدة القاري)) (١/ ١١٠).
(٣) رواه البخاري (١٢٩١) , ومسلم (٤) , من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>